الثورة – هفاف ميهوب:
من يقرأ للأديب والشاعر الألماني “غونتر غراس” يجد رسائل مضمرة، فيها صرخات غضبٍ واحتجاجٍ سببهما، تفاقم إحساسه بأن الدول التي تمتلك أقوى الترسانات العسكرية، ورأس شرورها اسرائيل، هي من لا يريد الأمن والسلام للعالم، وبأنها من يتحكّم بمقدرات الشعوب الضعيفة، عبر الاعتداء والهيمنة اللذين اضطرّاه للخروج عن صمته ومواجهة العالم بقوله:
“لماذا أصمت؟!!.. لقد صمتُّ طويلاً.. لماذا أمتنع عن تسمية ذلك البلد الذي يمتلك ورغم السرية المفروضة، قدرات نووية متنامية، لكن خارج نطاق المراقبة، لأنه لا يسمح بالكشف عنها؟!!”..
إنه ماوجد من الأهمية والضرورة الكشف عنه، دون أن يبالي بالإدانات التي طالته، لطالما كان يرى بأن “الأديب هو ضمير الشعب النابض”، وبأن واجبه الأخلاقي يفرض عليه أن يسعى لفضح سياسات البطش والشرّ، وأدواتها وأساليبها..
هذا “مايجب أن يقال” وقاله “غراس”، وهذا ما أثار ضده نقمة وجدلاً عرّضاه لهجمةٍ شرسة من اللوبي الصهيوني، وقادة اسرائيل.. مع ذلك، لم يتوقف عن إعلاء صوته أكثر، مثلما عن فضح التعنّت والبطش الصهيوني.. أيضاً، بلاده التي تساند اسرائيل، والعالم الذي تركها تتمادى في اعتداءاتها وتطوير ترساناتها..
تتوالى انتقاداته لاسرائيل، فتتهمه بالعداء للسامية، وتشنّ حملة انتقادات ضده، حتى في شنّه الهجوم على أميركا، ولاسيما بسبب حربها على العراق.. تلك الحرب التي جعلته يشعر بأن العالم غارق في العار ذاته، الذي غرق فيه بسبب الحرب على فلسطين، مثلما على كلّ الدول الضعيفة التي غادر الحياة بعد أن أودعها ضميره، وصدى غضبه وتمرّده وقوله:
“في عالمنا يصبح الكاتب هو الآخر عارفاً بحقائق الأمور، عارفاً بالظلم والجوع والمطاردة والأحلام الخطرة.. يبدو لي أن عمله لا يُمكن أن يستحق القبول، إلا عندما يُعلن عن معرفته تلك، وعندما يتخطّى الصمت الذي يُدان به الآخرون”..
