الثورة – أديب مخزوم:
افتتح “معرض طلاب وطالبات” في المركز الثقافي بالمزة ، متضمناً 160 لوحة صغيرة منجزة بالباستيل والفحم والاكريليك والزيتي، بالإضافة الى 23منحوتة جبسية ، ولقد بلغ عدد المشاركين 35 طالباً وطالبة، من مختلف مدارس منطقة القطيفة، تمت تهيئتهم في محترفات بيت الفن، وفي مدرسة المناشط التطبيقية في القطيفة، تحت إشراف وتدريب الفنانة التشكيلية إيمان الحسن، ومن المشاركين في الرسم ( جودي سليطين 14 سنة، ونايا الجرف 15 سنة ، وأنجي إبراهيم 18 سنة ، وحلا الراس، وهبة عباس ) وفي النحت ( إسماعيل إسماعيل 13 سنة ، وخضر حسين 14 سنة ) وأصغر المشاركين جويل ديب 5 سنوات.
تركزت الرسومات والمنحوتات على البورتريهات، والمواضيع المعبرة عن تخيلات الطلاب . إضافة للوحات منقولة عن أعمال فنية عالمية ومحلية، ومنحوتات تستعيد رموز بعض الحضارات العربية القديمة المستمرة في كل الأزمنة والأمكنة.
هكذا أتاحت هذه الدورات والفعاليات، لعدد من الهواة، فرصة المشاركة في هذه التظاهرة المنفتحة على رحابة الحوار التشكيلي التعبيري، والمتفاعلة في أحيانٍ كثيرة مع المضمون التراثي والبيئوي والإنساني والجمالي، في سلسلة لوحات ومنحوتات الوجوه والعناصر المختلفة.
والمعرض يطرح رؤى تعبيرية متنوعة خارجة عن إطار المراوحة في فلك الأداء البارد والساكن، وهذا ما نجده على الأقل في أعمال الأسماء الموهوبة، وفي مواضيع الوجوه والطبيعة الصامتة والازهار وأشياء الحياة اليومية، المجسدة حسب النهج الواقعي الطفولي عبر الاهتمام بتشريح عناصر الواقع وتحقيق التوازن اللوني في اللوحة والايقاع الكتلوي في المنحوتة والمجسمات الفراغية.
ومحترفات ومدارس منطقة القطيفة تنضم بهذه الخطوة إلى قافلة الباحثين عن منفذ جديد لفن الأطفال، في محاولة لتأكيد الاعتراف بفنهم الذي ترك أثراً واضحاً على بعض تيارات فنون القرن العشرين.
وهذا الاعتراف بفردية الطفل وبطاقاته التعبيرية الخفية تؤكده أفضل الرسوم والمنحوتات المعروضة، والتي عالج الأطفال فيها عناصر ومفردات الواقع بعفوية مطلقة وصادقة لها علاقة بميول واهتمامات كل طفل على حدة، فالارتجال عنصر أساسي في معظم الرسوم والمجسمات المعروضة، وهذا يفسح المجال أمام الطفل للتعبير عن أحاسيسه الداخلية بصدق مطلق، وباندفاع من إيحاءات أحلامه ورغباته انطلاقاً من أشياء رمزية محيطة به، ولهذا فهو يعيد صياغة عناصر الواقع بعفوية تعبيرية تبني تداعيات أحلامه ورغباته وأحاسيسه تجاه الواقع المحيط به.
ويذكر أن ورشات التدريب امتدت لخمسة أشهر. وهذا التوجه يأخذ بعين الاعتبار المعطيات التربوية الحديثة، وفي مقدمتها إعطاء الطفل حريته حتى ينتج عمله دون أن يكون مقيداً بأي ظروف خارجية، أي ترك الأطفال في حالة من الحرية والنقاء المطلق في خطوات اكتشاف الواقع والبيئة والحياة. فالرسوم والمنحوتات المعروضة تدخلنا مباشرة إلى عالم الألوان والأشكال التي تزخر بها تعابير فنون الأطفال .
فالطفل الموهوب يجدد وينوع ويبتكر ويطلق نزعته التعبيرية الانفعالية والذاتية بعفوية مندفعة دون حواجز، وهو حين يدمج اللعب بالفرح والحلم يكشف قدرته على إظهار مرونة رموزه الفنية التلقائية التي يحكي من خلالها حكايته مع الواقع، ويكون أكثر اتجاهاً نحو تقديم لوحة غير مقيدة بظروف خارجية، وهذا ماسعت إليه الفنانة التشكيلية إيمان الحسن، التي اهتمت بجانب إعطاء حرية للطفل وتوجيهه بطريقة تخدم هذه الحرية التعبيرية من مبدأ تفهم عالم الصغار . ولهذا قام بعض الأطفال بتلوين بعض المنحوتات، في خطوات الوصول إلى عوالم خيالية تتسع لأحلامهم وعالمهم الساحر .
وهنا تكمن أهمية إقامة معارض لرسوم الاطفال واليافعين والشبان والشابات, والاهتمام بفن الطفل لايكون فقط عبر إخضاعهم لدورات واقامة معارض لهم, وانما ايضاً في خطوات كشف خصائص هذا الفن وتشجيع ظهور العناصر الفردية في تعبيرية فنون الصغار. فمعارض الصغار تعبر في النهاية عن النمو الابداعي عند الموهوبين منهم , حيث تدخلنا بعض رسوماتهم الى عالم الالوان والاشكال والاشارات . فالطفل يمتلك قدرة غير عادية على التعبير بصدق مطلق.. وبالتالي فهو يعمل بإحساس تلقائي وعفوي وفطري ,ويصل في بعض مقاطع اللوحة ,وبشكل غير مقصود , الى التجريد , كل ذلك بلباقة شاعرية , وبشغف داخلي وبحساسية فياضة. والمعرض يأتي في سياق الكشف عن هذا الكنز التعبيري الطفولي الذي لايزال دون رعاية واهتمام في عالمنا العربي، حيث تتعامل إدارات المدارس في أحيان كثيرة مع حصة الفنون، على أنها حصة فراغ يجب شغلها بمادة أخرى (حسب المزاج) والمزاجية هنا تعني تكريس المزيد من مظاهر الانحطاط التربوي والإبداعي في مدارسنا.