الثورة- حسين صقر:
سابقاً كان الشباب يجلسون في المجالس العامة، أو مايسمى المضافة التي تجمع عدداً كبيراً من الناس ذوي الخبرة في الحياة، ويستمعون عن تجارب هؤلاء وخبراتهم، ويستفيدون من تلك التجارب والأقوال والأمثال التي يطلقها المتحدثون، ورغم ضيق الوقت والمكان، إلا أن تلك المجالس تحقق الفائدة المرجوة منها، فيتعلم الحاضرون الأدب والصدق والمعاملة الحسنة والتواضع والالتزام الأخلاقي واحترام المبدأ، وأن الإنسان يجب أن يفي بوعوده ولو كان ذلك على قطع رأسه، لذا كان يسود المجتمع أجواء من الود والحب والتعاون والاندفاع والحماس للمساعدة.
أما اليوم ورغم اتساع المجالس عبر المضافة الالكترونية، أو مواقع التواصل الاجتماعي والتي من المفترض أن تحقق الفائدة مما ذكر وأكثر، إلا أننا نرى عكس ذلك تماماً، حيث نرى الكذب والرياء ضارببن أطنابهما في كل مكان، والوعود الفارغة تملأ المجالس و النفاق على أشده، حتى ساد وانتشر كوباء، وكل ماحولنا وبنسبة كبيرة أقنعة.
في هذه الظروف وذلك المشهد،يحظى بالاهتمام بين الناس فقط صاحب الوجوه المتعددة، أما الملتزم والصادق فهو شخص ساذج يوصف بالطيبة ويتعدى ذلك الوصف أحياناً إلى الحماقة.
ليت المضافة الالكترونية على اتساعها تزرع جزءاً بسيطاً مما وفرته المضافة ذات الخمس أمتار طول بثلاثة أو أربعة عرض.
ندرك تماماً أن تلك المضافة وماينشر على صفحاتها، أشبه بمعرض أو محل أزياء، نمر من أمامها، نشاهدها نتمتع بجمال ألوانها ونعجب فيها حيناً، ولا تعجبنا حيناً آخر، وإذا أردنا اشترينا أو أحجمنا، وعندما نريد الابتياع أخذنا ما يناسبنا في اللون والقياس..كذلك في منشورات تلك المضافة، نقرأ ..نستمتع ..نحفظ مانريد ..والأفضل أن نطبق منها مايحمل في طياته القيم والمبادئ، ونبتعد عما لا يتناسب مع طباعنا وعاداتنا وتقاليدنا..
الكثير منّا عندما يقوم بنشر خاطرة أو موعظة أو تجربة أو قصيدة وغير ذلك، يُسأل لمن هذا ومن هو المقصود ..أقول: كما قالت إحدى زميلات العمل: أنا علي الكتابة والنشر، وليأخذ كل من يريد ما يناسبه ويأتي على قياسه، فأنا أو أنت أو غيري ربما لا نقصد أحداً، لأنها مجرد خواطر، لكن فليأخذ كل من يريد ما يناسبه من هذا القياس، وليس هذا وحسب، بل عليه أن يتعظ مهما أمكن، ولنحاور من جلساء ومتابعي مضافتنا من يحترمنا، ونصاحب من يفهمنا، ولنتخذ من الطيبين خلّاناً يجازون الإحسان بالإحسان، ويجبرون الخواطر ، ويراعون المشاعر ، وينتقون كلماتهم، كي لايؤذون مشاعر أحد، ومن يتلطفون بأفعالهم و يتذكرون العشرة، ويقولون للناس قولاً حسناً، ومن عاشوا أنقياء على نهج الأنبياء والصديقين..إذا أخطؤوا اعتذروا، ويتذكرون المعروف، ويتجاهلون ما يزعج الآخرين.
وحدها تلك المضافة، بعد أن انحسرت المضافة الواقعية وتراجع دورها، تنقل رسائلنا بأمانة، ودون أي رتوش، فيأخذ كل منّا ما يعنيه، ويترك مالا علاقة له فيه.
وعلى صفحات مواقعها نستطيع تمرير مشاعرنا دون إحراج من الآخرين، ربما بكلمة أو برمز من رموزها، أو بإشارة نريد إيصالها، دون أن نؤذي من نحب.
فصفحاتها تضج بكل أنواع الشعر والنثر والأدب والسياسة والاقتصاد والتاريخ والفلسفة وكل أنواع العلوم الرياضية والفيزيائية والكيميائية والفلك وغيرها، و تحمل كل أنواع العواطف من غزل وعتب ولوم، وحزن وفرح وشوق.
وعن صفحاتها نستطيع أن نقتبس ونتصرف ونستقي الأفكار، ونعيد تدويرها بسهولة ويسر، أو كبسة زر، ومنها نحرض أنفسنا وأذهاننا على البحث والتقصي، ومعرفة الحقيقة دون أدنى تعب، ونحن نلهو ونقلب الصور والحالات، تدخل المعلومة دون استئذان، نركز على مانريد ونتجاهل مالا نرغب فيه.
وعن طريقها تعرفنا إلى الأصدقاء وعرفناهم، ومنهم من بقي وآخر رحل، مثله مثل أي مرافق لمريض تعرفنا إليه في مشفى، أو على سكة سفر، فمنهم من أدخلنا رقم هاتفه لفترة من الزمن، ثم مسحناه، ومنهم من سألنا أنفسنا من يكون، ومنهم من بقي واستمر رغم قِصر اللقاء وسرعة الزمن. وهكذا كانت مضافتنا الالكترونية نغربل عنها كل فترة من لايريدون البقاء، تماماً كما نمضي عمن هم معنا في الواقع، لموقف ما، أو نتيجة تجربة.
هي الصفحة الافتراضية وحياة الخيال، ووهم اللقاء ..قدمت لنا الكثير، وكشفت لنا وعرت أشخاصاً، وجمّلت آخرين.. وهانحن نسير في موجتها، لا نعلم إلى أين تسوقنا دفتها، وأين يتوجه شراعها..