الثورة – أديب مخزوم:
تطرح لوحات الفنان سامر الصعيدي جمالية التفاعل مع إيقاعات الورود والزهور بتنويعات ألوانها وأشكالها . إضافة للوحات الطبيعة والعمارة القديمة والأشكال الصامتة وغيرها .
وفي تنقلاته التقنية يبقى في حيز اللغة التشكيلية الحديثة، حيث يعالج مواضيعه بعفوية، معتمداً على تداعيات الحالة الداخلية، التي تتسع للتعابير الشاعرية والغنائية في كثير من جوانب لوحاته .
وهذا يعني أنه يطلق في لوحاته ما يشبه المعزوفة البصرية ذات الإيقاعات اللونية العفوية . ويوزع لمساته اللونية الساطعة في المساحة بما يضمن حضور الضوء الشرقي ، وبما يضمن إبراز كثافة في معالجة الألوان أكثر حداثة واقتراباً من تقنيات فنون العصر، عن طريق تسميك العجينة اللونية، حتى أنه يتجاوز في بعض أعماله، سطح اللوحة ذي البعدين، ويقدم أعماله بثلاثة أبعاد، تقترب من الرولييف الجداري “جبصين معتق” . وبذلك يجعل من أعماله في تنقلاته وتحولاته بين التقنيات، مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية تنقل الحس المباشر الداخلي ، ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي أو التماهي مع المشهدية الصالونية التجارية .
هكذا تأتي المادة اللونية في لوحاته مشغولة بعفوية وبسماكة ، بحيث تبدو في أحيان كثيرة متحررة من أفقية الامتداد التصويري التقليدي . ففي لوحاته التي يغلب عليها موضوع الورود والزهور، وهي الأكثر بروزاً في تجربته، يقدم لنا حقولاً لونية تغلب عليها العفوية، التي تتجاوز التفاصيل، وتعمل بالتالي على إبراز مساحة المشهد وأبعاده الداخلية ، وتحول المساحة إلى طبقات لونية تتخللها لعبة النور والظل وتداخل الألوان .
والواضح في بعض لوحاته تلك الرغبة البادية في إظهار الإشراق اللوني ( في مجموعة لوحات الزهور بشكل خاص ) والاهتمام بتقديم الموضوع نفسه على أنه صورة لا تمثيلية للشيء المرسوم . فألوان الزهور تبرز بانفعال وبمعالجة تهتم بمسألة إظهار بريق النور فيها، مع أن سطوح لوحاته لا تستقر على هذه الطريقة . وهكذا نجد تحولاً في طريقة التركيز لإظهار الإشراق اللوني، إلى تقنية استخدام الأجواء التي توحي بتدرجات الأسود والأبيض ( حسب الموضوع المطروح أو في حالات التنقل بين لوحات الزهور ولوحات العمارة القديمة والشخوص وغيرها )، وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر ، بحيث يخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون المتحول مع الضوء، دون أن يعني ذلك أنه انطباعياً ، فهو أقرب إلى التعبيرية من الانطباعية، التي تتطلب الالتزام بقواعد صارمة في خطوات الرسم في الهواء الطلق .
في هذا الجو من صياغة الإيقاعات اللونية التعبيرية الغنائية ، يصبح عمله عرضة لتبدلات الحالة الداخلية التي يعيشها أثناء إنجاز اللوحة . فهو حين يكون في حالة قلقة ومتوترة ، لا بد أن تأتي الحركات اللونية متوترة ومرتبطة ببؤرة الانفعال ، وهو بذلك يترك عمله عرضة لرياح التغيير، وهذا لا شك يعمل على إغناء القدرة التعبيرية ويضفي إيقاعية بصرية أكثر حركة وحيوية .
فالحرية الأدائية في المظهرين التكويني والتلويني تبرز بجلاء في مساحات أعماله، حيث يصل إلى أقصى حالات الاختصار في بعض لوحات الوجوه . وحين تختصر اللمسات تنويعات الورود والزهور وعناصر الطبيعة الخلوية والبنى المعمارية وغيرها، فإنما تختصر تداعيات ثقافة بصرية ، وتكشف تعبيراً جمالياً وذاتياً ، وتنقلنا إلى حالات وجدانية أكثر عمقاً ودلالة .
فما يبحث عنه في لوحاته يؤكد مواقف الانتماء لإشارات وجماليات الصياغة الانطباعية والتعبيرية والواقعية الجديدة، تلك الإشارات التي تطل عبر تموجات الحالة الانفعالية، مع إعطاء أهمية قصوى للوعي في خطوات التعبير العفوي عن حركة وتجليات الزهور والطبيعة والعمارة والأشكال الصامتة وغيرها، والتركيز لإظهار اللمسات الطافحة بالحركة والحيوية والتناسق.
وظاهرة العودة إلى رسم تنويعات الورود والزهور يمكن اعتبارها في المرحلة الراهنة، بمثابة ردة فعل معاكسة لتوترات الايام الرمادية, وصرخة رفض للحدة المأساوية التي تلف الواقع, الحامل كل انفعالات السخط والمرارة والحزن، إلى درجة السواد الكلي او المطلق . ففي مزاولته يدفعنا إلى رؤية الجمال والارتماء بأحضان حدائق الزهور والورود. ويتجه صوب الحداثة بتأثيرات الرؤى والافكار المعاصرة، لتسجيل ملامح خطواته الفنية وتطور إيقاعاته اللونية, التي تدخل البهجة إلى العين والقلب معاً.
سامر الصعيدي من مواليد 1978 ، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين 2000، أقام ثلاثة معارض فردية، كان آخرها في صالة الرواق العربي ( قاعة لؤي كيالي ) 2021، إضافة لمشاركاته في يعض دورات معرضي الربيع والخريف، وفي بعض المعارض الجماعية الرسمية والخاصة ، ومن ضمنها بعض المعارض التكريمية ، التي تقام برعاية وزارة الثقافة.
