الثورة – ناصر منذر:
لا شك بأن التحالف السوري الروسي رسخ حضوره وتأثيره القوي على مجرى الأحداث الإقليمية والدولية، وهو لا ينفك عن توجيه الكثير من رسائل القوة، وهو يعكس متانة العلاقات بين البلدين، وحالة التفاهم والتنسيق المستمر بين دمشق وموسكو في كافة المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، وأيضاً حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وكل العالم يلاحظ كيف أن هذه العلاقات تزداد رسوخاً اليوم، نظراً لحجم التحديات المشتركة التي تواجه البلدين، وهما يتصديان معا للبلطجة الأميركية ولسياسة الهيمنة الغربية، ولاسيما أن البلدين يقفان معاً في خندق واحد ضد الإرهاب الذي تغذيه الولايات المتحدة لخدمة مشاريعها الاحتلالية، وهذا الإرهاب يشكل خطراً وجودياً ليس على سورية وحسب، وإنما على المنطقة والعالم بأسره.
وانطلاقاً من مواقفها المبدئية الثابتة، دعمت الجمهورية العربية السورية اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وأكدت أنّها مستعدة للعمل على بناء علاقات مع الجمهوريتين وتعزيزها في سياق المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وذلك إدراكاً من سورية بأن الأزمة الأوكرانية هي مشكلة أوجدتها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لتقويض الأمن القومي الروسي، لمحاولة تطويق روسيا والقضاء على دورها المتوازن في العالم، وبالتالي الحفاظ على سياسة الهيمنة الأميركية وتفردها بالقرار الدولي، وسورية معنية بالتصدي لمحاولات الهيمنة الغربية لأنها جزء من المشهد الراهن، وهي تؤمن بأن مواجهة سياسة الهيمنة الغربية مصلحة مشتركة لكل الشعوب الرافضة لسياسات الغرب العدوانية، ولطالما أكدت على ضرورة التعاضد والتعاون من أجل التصدي لهذه السياسة.
سورية كانت قد أبدت استعدادها قبل شهرين للعمل على بناء علاقات مع جمهورية دونيتسك في سياق المصالح المشتركة، أي قبل التطورات التي حصلت مؤخراً، وهذا يشير إلى الرؤية السورية الثاقبة، وقراءتها للأحداث بشكل دقيق، حيث استقبل السيد الرئيس بشار الأسد بتاريخ ٢١ كانون الأول ٢٠٢١ أي قبل شهرين وفداً من مجلس الدوما الروسي برئاسة ديمتري سابلين وهو عضو في الدوما من جمهورية دونيتسك وطرح وقتها الرئيس الأسد استعداد سورية للاعتراف بجمهورية دونيتسك وتم الاتفاق على البدء ببناء علاقات معها.
سورية تشارك روسيا كل مخاوفها المشروعة بأن أمنها القومي معرض للخطر بسبب تهديدات أميركا ودول الناتو، وسعي الحلف للتوسع شرقاً، إذ باتت الصواريخ الأميركية والغربية قريبة من روسيا، وإذا نجحت واشنطن والأوربيون في ضم أوكرانيا إلى الناتو فستصبح موسكو على بعد دقيقتين فقط من الصواريخ النووية، وسيهدد توسع الحلف الكثير من الدول.
اعتراف سورية بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك جاء في ظل تعقيدات المشهد الدولي التي تفرضها سياسة البلطجة الأميركية على الساحة الدولية، حيث تستميت إدارة بايدن لفرض أجنداتها في سياق مشروعها الفوضوي والتدميري المعد لكل الدول المناوئة للسياسة الأميركية، وعلى رأسها سورية وروسيا والصين وإيران وفنزويلا وغيرها الكثير، وهذا الاعتراف يعزز التحالف الاستراتيجي بين سورية وروسيا في مواجهة سياسة الهيمنة الغربية، لاسيما وأنهما تجمعهما قواسم مشتركة في تعاطيهما مع العديد من القضايا الدولية، حيث يرفضان إلى جانب الكثير من الدول الصديقة سياسة الهيمنة الأميركية، والتدخل الغربي السافر في شؤون الدول الأخرى، ويدافعان بقوة عن قواعد الشرعية الدولية انطلاقاً من احترامهما للقرارات والمواثيق الأممية، ولا شك بأن تعزيز هذا التحالف سيحصد ثماره شعبا البلدين، وكل الشعوب المحبة للسلام.