بقلم إيهاب زكي – كاتب فلسطيني:
إنّ افتعال الغرب والولايات المتحدة خصوصاً للأزمة الأوكرانية، تعني حتماً اليأس المطلق من النجاح، ولو بنسبةٍ ضئيلة للمشروع الأمريكي في سورية، وهذا الافتعال في أحد جوانبه يعني هزيمة لا استدراك لها في سورية، ونذكر جميعاً “البروباغندا” الأمريكية إبانّ التدخل الروسي في سورية، حيث بدأ تذكير روسيا بالوحل الأفغاني، وأنّ سورية ستكون أفغان روسيا كما كانت أفغانستان مقبرة الاتحاد السوفييتي، ولكن جاءت رياح سورية بما لا تشتهي السفن الأمريكية.
ورغم أنّ روسيا كانت شديدة الحرص، على تجنب الاصطدام مع الولايات المتحدة في سورية، وكانت ومعها سورية قد آثرتا استراتيجية القضم في الجغرافيا والسياسة على السواء، وكانت الولايات المتحدة في حينه تعتبر هذا التجنب، غطاءً كافياً للإرهاب، وأنّ بإمكان الإرهاب تحقيق أهدافها دون الحاجة لتدخلٍ مباشر.
لكنها اكتشفت في نهاية المطاف أنّها بلا أوراق، ورأت بأمّ العين، أنّ القواعد الأمريكية التي ظنتها يوماً غطاءً للإرهاب، وأنّه في ظل كل قاعدة أمريكية بإمكان الإرهاب إقامة دولة، أنّ تلك القواعدة أصبحت هي الهدف، وأنّ تأثيرها محدود بل ومحاطٌ بالنار، وما يمنع النار عن تلك القواعد، ليس إلّا قراراً سورياً منفرداً، أو سورياً روسياً مشتركاً.
إنّ السياسة السورية في عادتها تصيب سويداء القلب، حتى وإن بدا أنّها بطيئة أو باردة، ولنا في عشرية النار أمثلة كثيرة، فرغم أنّ النصر السوري في هذه الحرب كان إعجازاً، إلا أننا لم نسمع خطاباً عنترياً واحداً على جميع المستويات، السياسية والدبلوماسية والعسكرية أو الأمنية، وكانت طرق النصر تُشقّ في صمتٍ يكاد يكون مطبقاً، وحتى المؤرخين في هذه اللحظة إن حاولوا التأريخ، سيفتقدون للرواية السورية الرسمية، فسورية تحترف الأفعال أكثر بكثير مما تعرف من لغة الكلام.
وما يحدث في أوكرانيا، ما هو إلّا نتاج فتح سورية للمتوسط أمام روسيا، فقد كان الهدف من إسقاط سورية، هو الحصول على قرنٍ أمريكيٍ جديد، حيث تتربع الولايات المتحدة على عرش العالم نهباً وسلباً ونفوذاً، على مدى القرن 21، ولكن هزيمة المشروع أنتج أقطاباً معارضة ومنافسة للدور الأمريكي، فالولايات المتحدة لو تكن ترضى بشريكٍ في النفوذ والهيمنة، بل لم تكن تقبل بأحدٍ في المرتبة الثانية والثالثة، والحقيقة أنّ الروس وحتى الصينيين، كانوا يرتضون بتلك المراتب، دون اعتراض على بقاء الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، ولكن ما حدث في سورية، وما يحدث الآن في أوكرانيا، يعني أنّ الولايات المتحدة بدأت تشعر بالقلق على مرتبتها الأولى، بل أصبحت في الموقع الذي حاول باراك أوباما وضع روسيا فيه، حيث كان شديد الإصرار والتكرار، بأنّ روسيا”مجرد دولة إقليمية كبرى، وليست قوة عالمية عظمى”.
ما يحدث في أوكرانيا، سيجعل من الجغرافيا السورية ليد الدولة السورية أقرب، وأنّ الحسابات الروسية والسورية ما قبل أوكرانيا، ليست هي ذاتها ما بعد أوكرانيا، وأياً كانت سيناريوهات تطور الأزمة الأوكرانية، فإنّ الولايات المتحدة، ستخسر كل ما تبقى لها في سورية، ويبدو أنّه أينما ذهبت رياح العالم، ففي النهاية ستمطر في سورية.