الثورة – أديب مخزوم:
مرت في 28 شباط 2022 الذكرى السنوية التاسعة عشرة لرحيل الفنان الشامل الطبيب وافد حيدر، فلقد عرفناه من خلال معرضين فرديين للوحاته الضوئية، أقامهما قبيل رحيله بفترة قصيرة، في دمشق وطرطوس برعاية وزارة الثقافة، كما كانت له اهتمامات موسيقية واسعة، حيث كان يجيد العزف على الغيتار والأورغ، وسجل عدة ألحان بصوته من كلمات رغدان أبو صالح، والشاعر والمترجم عبدو زغبور، والشاعر فيصل حجار، وكان رساماً بارعاً، وله كتابات وجدانية معبرة عن أحاسيس وحالات متنوعة. ويذكر أنه نجل الكاتب والروائي المعروف حيدر حيدر. ويشكل أسرة فنية وثقافية، مع زوجته الفنانة التشكيلية الطبيبة غادة زغبور، وولدهما ليام حيدر (رسام وشارك بأحد الأفلام وعازف كلارينيت – سنة رابعة عمارة) وابنتهما طل حيدر (لها صوت جميل ورسامة موهوبة وشاركت بالتمثيل في فيلمين سينمائيين وعدة ورشات مسرحية وعازفة بيانو- سنة اولى تحضيري). وهكذا تكون الاهتمامات الثقافية قد انتقلت بالوراثة إلى الأبناء والأحفاد. والفنان الراحل وافد حيدر كان حريصاً على تصوير البيئة المحلية والآثار وإبراز جمالياتها بشغف وصدق ومحبة، وعشقة المزمن للتصوير الضوئي كان يدفعه لأن يحمل كاميرا احترافية معه، إينما ذهب، حتى لا تفوته فرصة التقاط صورة فنية وحالة لا تتكرر.. وكان يقوم بتحميض أفلام الأبيض والأسود في غرفة خاصة بمنزله, كما كان يقوم بتحديث كاميراته اليدوية، وطباعة الأفلام الملونة. ولقد التقط العديد من الصور خلال جولاته السياحية عامي 1999 و2000 في ألمانيا وهولندا ونيويورك برفقة زوجته التشكيلية غادة زغبور. كما كان حريصاً على توضيح وتسجيل نوع الكاميرا التي التقطت بها كل صورة.
وعلى هذا تظهر المشاهد والعناصر التي التقطها داخل سورية وخارجها، كرحلة حلم في فضاء لوحاته، ولقد كان يسلط عدسته على أماكن أثرية محلية، ويلتقط إشارات الأزمنة المنسية على جدران الأوابد الحضارية، وننتقل إلى لوحات أخرى تعكس الحركات الخفية والعلنية للضوء الذي يتوازى والطرب الإيقاعي. كونه يسعى وراء حركة أطياف الواقع، خلال انتقاله من إضاءة إلى أخرى، سعياً وراء اكتشاف أسرار الحياة والحركة والإيقاعات التعبيرية المنفلتة من سكونية الواقع الخارجي وأفقيته التسجيلية.
فقد كان يبحث عن شاعرية في التعبير، وشاعرية في المكان، وشاعرية في الوجوه، بالإضافة إلى شاعرية الطبيعة وشاعرية المشهد البحري. وفي إطارهذه الشاعرية البصرية، كان يعمل على تقديم لعبته الفنية الجمالية.
وحالات المزج بين ذاكرتين، ذاكرة الشرق وذاكرة الغرب، لم تكن إلا ظاهرة سلمية تبحث عن عمل فني وإنساني في مرحلة الحروب والمآسي والويلات، إنها ردة فعل إنسانية ضد الحروب والتسلح والرفض الكامل للعنف ولكل مظاهر التخلف والانحطاط والجهل والردة إلى العصور الحجرية الغابرة في فجر التاريخ.
ولم يكتف بتصوير المدن والشوارع والساحات والناس البسطاء والأجواء الفولكلورية والشعبية. كأن شيئاً في داخله كان يرفض اتزان الاستقرار، فانطلق من طرطوس إلى عواصم ومدن أوروبية وأميركية يصور أبراجها وأبنيتها وساحاتها وأسواقها ومعالمها السياحية، كأنه كان فناناً رحالة، وطنه السفر وخبزه اليومي التصوير والموسيقا والرسم والثقافة، حيث صور في رحلاته كل ما كانت تقع عليه عيناه من مشاهد حياتية وأجواء قديمة ومعالم حضارية.
ولقد أعطى الأجانب فكرة عن المظاهر والمعالم السياحية والحياتية المحلية. لوحات ضوئية فنية لأشجارعارية وجلسات تأمل وطرب ونزهات وفتوة وطفولة وأجواء شعبية تثير الانتباه والحنان.
وصورة عكست جمالية ممهورة بمهارة فنان يعرف كيف يلتقط الزوايا المناسبة الأكثر شفافية وشاعرية. كأن الصورة الضوئية الممهورة بإمضاء وافد حيدر هي لوحة تلامس ملامح الرسم والتكوين الرومانسي والخيالي. حيث كان يتجه (أحياناً) نحو التشكيل بالضوء، من خلال عملية مونتاج واللعب بالضوء داخل الغرفة السوداء للوصول إلى شاعرية الحلم.. كأن كل زاوية كانت تلتقطها عدسته مرسومة بعين فنان يعرف كيف يوازن ويصمم ويبتكر ويغري العين. صور ضوئية تثير الحنين والإعجاب والتوغل في تأمل المظاهر والأجواء المميزة في المدن والقرى المحلية والعالمية، وهي تشكل استراحة رومانسية لمصور عرف السفر والترحال وسجل ولادة جديدة لبريق التراث والفلكلور والأجواء الشعبية المحلية، ولادة تقتنص لقطات خاطفة من حلم واقعنا المحلي، وتعرف الأجانب على أجواء حياة وحضارة مغايرة لمألوفهم وعاداتهم.