الثورة – تحليل لجين الخطيب:
مع كل أزمة تندلع فوق بقعة جغرافية ما، يظهر مدى التعامل مع القانون الدولي بازدواجية من قِبل بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فما يتفق ومصالحها لا حاجة لأن يخضع لاختبار القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان وغيرها من العناوين، ولكن عندما لا يتناسب الأمر مع مصلحتها ولا يلبّي جشع طموحاتها الاستعمارية، عندها فقط يُعتبَر الأمر “انتهاكاً وخرقاً” للقانون الدولي.
وتأتي العملية العسكرية الروسية شرق أوكرانيا مؤخراً لتشكل خير دليل على ذلك، فالبعض ندّد واستنكر ذلك معتبراً أنه انتهاك للقانون ولسيادة الدول، متناسياً انتهاكاته وأعماله العدوانية في مكان آخر، فما إن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عملية عسكرية لحماية دونباس جنوب شرق أوكرانيا، حتى اعتبر رأس النظام التركي رجب طيب أردوغان ذلك “تدخُّلاً غير مقبول ومخالِفاً للقانون الدولي”، بينما تجاهل اعتداءاته وجرائمه بحق المدنيين في المناطق التي يحتلّها شمالي سورية بذريعة حماية أمنه القومي المزعوم.
وفي الوقت الذي يكتفي فيه النظام التركي حتى الآن ببعض التصريحات والمواقف الضبابية تجاه العملية العسكرية الروسية، لا يزال يحاول لعب دور الوسيط على خط الأزمة الروسية الأوكرانية، فهو عاجز حتى اللحظة عن حسم أمره بين خيارين أحلاهما مرّ، الوقوف في صف روسيا التي تمسك بأوراق اقتصادية وعسكرية عدة على صلة به، أم في صف أوكرانيا وحلفائه الغربيين، وما بين هذين الخيارين يتأرجح أردوغان الذي لا يمكن أن يضحّي بعلاقته مع طرف على حساب الآخر وذلك بسبب مصالحه المشتركة مع الطرفين، وهو ما دفعه للقول سابقاً إن “أنقرة ستدعم كييف بقوّة لكنها لن تضحّي بعلاقة عمل قوية ومستقرة مع موسكو”، ما يفسّر هرولة النظام التركي إلى محاولة التوسّط والتهدئة وكسب الطرفين.
وبالرغم من أن أردوغان يسعى إلى عقد لقاء بين الرئيس بوتين ونظيره الأوكراني زيلينسكي، فإنه ووفقاً لمحللين أتراك، يرى في العملية العسكرية الروسية “فرصة مواتية” لتحسين علاقاته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، كما يرى في ذلك فرصة لاختبار قوّته الناعمة، ولكي يُظهِر للمعسكر الغربي -لاسيما الولايات المتحدة- أنه يمكن أن يكون طرفاً قوياً للتعامل مع قضية حساسة في المنطقة تتصل بروسيا وتضيّق الخناق عليها في مياه البحر الأسود.
ختاماً، يعتبر البعض أن مشكلة أردوغان هي اقتصادية في الأساس، وهذا صحيح بالطبع، فهو يستعد لخوض سباق الانتخابات الرئاسية عام 2023 في وقت تعاني فيه بلاده من أزمة اقتصادية عميقة تهدّد قبضته على السلطة، ولا مصلحة له باتخاذ أيّ موقف يمكنه أن يهدّد علاقاته بروسيا أو أوكرانيا، لأن ذلك سيزيد وضع بلاده الاقتصادي سوءاً، خاصة وأن السياحة التي تمثّل عائداتها حوالي 5% من الاقتصاد التركي، تعتمد على السيّاح الروس في المرتبة الأولى، وعلى السيّاح الأوكرانيين في المرتبة الثالثة، كما أن الشركات التركية للمقاولة في روسيا تحتل المرتبة الأولى بحصة تقارب 20%، بالإضافة إلى اعتماد تركيا على الغاز الطبيعي الروسي بما يزيد عن 40% من إجمالي احتياجاتها، وبالنسبة لأوكرانيا، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 4.68 مليارات دولار عام 2020، وارتفع إلى 7.42 مليارات دولار عام 2021، محققاً زيادة كبيرة بلغت 67%، وفقاً لبيانات هيئة الإحصاء التركية.