الثورة – عبد الحليم سعود:
لعله من المبكر جداً وضع حدود زمنية أو جدول زمني للصراع الدائر حالياً بين روسيا والغرب على المسرح الأوكراني، رغم كثرة المعطيات الخطيرة التي توفرت خلال أقل من أسبوعين من بداية الحرب، والتي جعلت العالم يحبس أنفاسه من شدة قلقه أن تندلع حرب عالمية ثالثة إذا استمر الغرب بهذا المقدار من التصعيد وفرض العقوبات القاسية على روسيا والتي لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع حجم الأزمة التي كان من الممكن ألا تتصاعد لو أن الغرب أوفى بالتزاماته وتصرف بحسن نية وموضوعية وعقلانية مع الهواجس الأمنية الروسية المبررة، ولاسيما أن موسكو فعلت كل ما من شأنه أن يطمئن الغرب لدرجة الشراكة بموضوع الطاقة مع بعض الدول الغربية كألمانيا والتعاون العسكري مع عدد من الدول الغربية ولاسيما فرنسا.
أنظار العالم اليوم تتجه بقلق بالغ إلى أوكرانيا وثمة سيناريوهات عديدة ترتسم بالأفق، ليس أقلها خروج الأمور عن السيطرة واتساع الحيز الجغرافي للحرب بحيث تصل شرارتها إلى أبعد من أوكرانيا التي ارتضت لنفسها أن تكون ساحة جديدة للغرب الاستعماري ولحلف الناتو كي يصفي حسابات قديمة مع موسكو الصاعدة بقوة إلى المسرح العالمي وهي تسعى لبناء عالم جديد متعدد الأقطاب ليس للولايات المتحدة الأميركية فيه تلك السطوة العدوانية والهيمنة والغطرسة المتمادية وذلك الاستخفاف الهائل بمستقبل الأمم والشعوب الأخرى الساعية لنيل حريتها واستقلالها ورفع الظلم والاضطهاد عنها.
من السيناريوهات المطروحة حالياً والتي ضاقت الفرصة أمامها كثيراً هو أن يجنح النظام القائم حالياً في كييف نحو الدبلوماسية والتفاوض البناء مع موسكو بحيث يطمئنها إلى بقاء دولته محايدة في المواجهة المستمرة بين روسيا وحلف الناتو مع الاحتفاظ بالعلاقات الطيبة التي تجمع الشعبين في كل من روسيا وأوكرانيا.
أما السيناريو الثاني والذي يملك نصيباً وافراً من الموضوعية هو أن تتمكن روسيا من الانتصار السريع والساحق بهذه الحرب وتفرض شروطها على النظام الأوكراني التابع بحيث تنزع سلاح أوكرانيا المهدد لها، وتبعد خطر الناتو عن حدودها إلى أطول فترة ممكنة، وأن تتشكل في كييف حكومة جديدة تسعى لعلاقات متوازنة مع كل روسيا والدول الغربية بحيث تصبح أوكرانيا صديقاً للجميع وبعيدة عن كل التوترات التي تصنعها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وبحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تسير العملية العسكرية التي أطلقها وفق ما هو مخطط لها بالرغم من كل الدعاية الغربية المضللة والدعم العسكري الغربي الذي يقدم للقوميين الأوكرانيين المتطرفين المعادين لروسيا، وهو ما تكشفه تصريحات الرئيس الأوكراني الساخط على عدم تدخل الناتو في الصراع الدائر وإنقاذه من الورطة التي وقع فيها.
السيناريو الثالث والذي يوجد خلاف حوله إلى حد ما هو أن يطول أمد الحرب ويحاول الغرب استنزاف روسيا، ولاسيما أن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا يتدفق عبر الحدود بشكل غير مسبوق إلى جانب تدفق المرتزقة والإرهابيين الذين يجندهم الغرب من أجل زجهم في الحرب، يضاف إلى ذلك العقوبات القاسية وغير المسبوقة التي فرضها الغرب على روسيا والتي لا تترك مجالاً للتفاهم بين الطرفين، وهي ترقى إلى درجة إعلان الحرب، إذ لم تترك مجالاً من المجالات إلا وشملته ما كشف عداء غربياً منقطع النظير لروسيا ورغبة دفينة بالانتقام منها ومن عودتها إلى المسرح العالمي بهذه القوة.
من الواضح أن الغرب بعقليته الاستعمارية التدخلية في شؤون الآخرين ماضٍ في مخططه ضد روسيا وأوكرانيا ولا يعنيه لا الشعب الأوكراني ولا الدولة الأوكرانية بقدر ما تعنيه أطماعه ومصالحه ومخططاته العدوانية وعداءه المستحكم لروسيا، ولكنه لن يكون بعيداً عن التأثيرات الكارثية لهذه الحرب إذا ما طالت كثيراً، فالعقوبات التي تفرض على روسيا لها تأثيرات أيضا على مصالح الغرب بنفس القدر إن لم يكن أكثر، والإرهابيون والمرتزقة الذين يجندهم للزج بهم في أوكرانيا لمحاربة الجيش الروسي سيعودون يوماً ما إلى مجتمعاته كما حدث مع القاعدة وداعش وغيرهما، وأما إذا تدحرجت الحرب الإقليمية إلى حرب عالمية فسيدفع الغرب فاتورة مضاعفة ولن تقوم له قائمة بعد اليوم، لأن السلاح النووي لن يكون فقط لمجرد العرض أو الردع بل من أجل الاستخدام.