الثورة- تحليل لميس عودة:
الشيطان الأميركي حاضر في كل تفاصيل الأزمات الدولية, وعلى اتساع امتداد ارتداداتها وتبعاتها الكارثية، هي العبارة الأكثر دقة والتوصيف الأبلغ للسياسات الأميركية في العالم, فما يجري في البحر الأسود وما أودت إليه وسوسات واشنطن في أذني كييف لتعتدي في دونباس، وما رسمته من سيناريوهات تصعيدية كانت خطوات مرسومة بخبث أميركي لدفع القارة العجوز إلى حافة هاوية اقتصادية.
نفس الأساليب القذرة التي تمارسها واشنطن لتحقيق مكاسب وجني أرباح على حساب دماء الشعوب وسلام الدول, فهي تستثمر بالإرهاب وتستثمر بالعقوبات وتنتشي بالفوضى وتمدد الحرائق, وهي اليوم إذ تغمز من قناة الدعوة لحظر استيراد الغاز الروسي ومحاولة تمرير مشروع بالكونغرس ودعوة الأوروبيين للاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية، وقطع شرايين التروية الممدودة من موسكو, فإنها تريد خنق أوروبا بحبال السطوة الأميركية رغم إدراكها أن القارة العجوز لا يمكنها تخطي عتبات احتياجاتها المتصاعدة للطاقة الروسية في المدى المنظور وأن دعوة شركاء بلطجتها الأوربيين لقطع حبالهم السرية مع موسكو هو أشبه بانتحار معلن على حافة الحماقات.
الانقياد الأعمى لمصائد تنصبها واشنطن لشل قدرة أوروبا الاقتصادية والتسرع باتخاذ قرارات جنونية عبر فرض حظر على حوامل الطاقة الروسية إلى أوروبا, يبدو أن الغرب الاستعماري بات يدرك عواقبها الكارثية وأنه لا طاقة له بتحمل تبعاتها على سبل حياة مواطنيه “تدفئة – كهرباء- مصانع – تنقل- وغيرها” الأمر الذي جاء باعتراف المسؤولين الأوروبيين أنفسهم، إذ قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبشترايت إن ثلث النفط المستخدم في بلاده يأتي من روسيا،ووافقه الرأي المستشار الألماني أولاف شولتس باعترافه إن واردات الطاقة الروسية أساسية لحياة الأوروبيين اليومية ولا يمكن ضمان إمدادات الطاقة الأوروبية لإنتاج الحرارة والتنقل والكهرباء والصناعة بأي طريقة أخرى في الوقت الحالي.
بدورها كاثرين مكغريغور الرئيسة التنفيذية لشركة الطاقة الفرنسية “إنجي” أقرت إن مخزونات الغاز في أوروبا ستكون غير كافية إذا تم اتخاذ قرار بقطع الإمدادات من روسيا منوهة بأن الاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز الروسي بنسبة 40%، وبعض الدول الأوروبية بنسبة 90%، وحتى 100%، لذلك من الصعب للغاية التخلص من هذا الاعتماد بين عشية وضحاها، ومن الصعب للغاية التخلص منه دون تحضير ودون إجراءات بديلة ودون تهيئة السوق.
صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية من جهتها سلطت الضوء على أن “أوروبا تخشى أن يكون الأوان فات للتخلص من إدمانها للغاز الروسي وأن استخدام أوكرانيا حطباً لتنفيذ أجندات واشنطن والناتو التوسعية لحصار روسيا تسبب في عرقلة جهود أوروبا البطيئة لفطام نفسها عن الغاز الطبيعي الروسي”.
محللون وخبراء اقتصاديون أوضحوا أنه سواء أغلقت موسكو صنابير الغاز رداً على العقوبات الغربية أو توقفت أوروبا عن شراء الغاز الروسي ينذر بكارثة حقيقية ويلقي بأوروبا إلى هاوية شلل اقتصادي، لافتين إلى أن فك ارتباط سوق الغاز الأوروبية عن روسيا سيحدث تغيراً هائلاً بالنسبة لقارة تعاني شحاً في مصادر الطاقة وتعتمد بصورة كبيرة على غاز التربة المتجمدة في سيبيريا لدرجة أنَّها لم تنشئ بنية تحتية تُذكَر للإمدادات البديلة.
ويضيف الخبراء أنه على الرغم من ترويج مسؤولين أوروبيين لجهود تنويع مصادر الطاقة منذ سنوات، فإن أوروبا فشلت في الاستعداد لذلك, فألمانيا لا تملك حالياً محطة غاز مسال واحدة, ولم يضع نظام نقل الغاز بالاتحاد الأوروبي في الاعتبار إمكانية حدوث توقف كامل للغاز الروسي في تدريبات محاكاة الأزمات، وأن روسيا هي المورد الرئيسي للنفط الخام والفحم الصلب للاتحاد الأوروبي، وأوضح الخبير الاقتصادي الألماني دانييل شتيلتر في مقابلة مع مجلة فوكس” إنه في حال توقفت إمدادات الطاقة الروسية، فإن الغرب بشكل عام وألمانيا بشكل خاص سيتضرران وإن الاقتصاد الروسي لن يتأثر بسبب استقلاليته مؤكداً “سنحصل على تضخم وسينهار اقتصادنا”.
ولفت مختصون بالاقتصاد إلى أن أي شحنات غاز مسال بديلة ستأتي بأسعار أعلى بكثير من الغاز الروسي الذي يأتي عبر خطوط الأنابيب، وهو الأمر الذي يهدد الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني من التضخم بالفعل، وقال مارتن فلاديميروف مدير برنامج الطاقة والمناخ في مركز “أبحاث مركز دراسة الديمقراطية” بصوفيا لـ وول ستريت جورنال “إذا ما توقف الغاز الروسي، فلن يكون للأسعار سقف”, كل هذه المعطيات تترك صناع القرارات الأوروبية أمام خيارات صعبة في حال أرادوا الانصياع للوسوسات الشيطانية الأميركية بفرض عقوبات على إمدادات الطاقة الروسية .
شاءت واشنطن أم أبت فإن روسيا هي من تسند بقوة الحاجة المتزايدة لمصادر الطاقة الأوروبية, وإن محاولات الاستثمار في العقوبات عليها لن يضر موسكو التي رسمت خرائطها الاقتصادية المتينة بحكمة ودراية واستشراف نوعي للحد من تأثير العقوبات المغرضة على اقتصادها, فبأي خيوط مهترئة تحيك أميركا شبكة مؤامراتها ضد روسيا.