الثورة – هفاف ميهوب:
عندما وجد الكاتب والأديب الليبي “الصادق النيهوم” بأن وطننا العربي يصنّف ضمن أكثر الشعوب عجزاً عن مواكبة الحضارة، أشار إلى أنه تصنيفٌ لا مبرّر له، وبأن الحضارة بأسرها ولدت في وطننا، والسفن والأسلحة التي ارتاد بها الأوروبيون قارات العالم الجديد، كانت في أيدينا قبل أن يعرفها الأوروبيون بثلاثة قرون على الأقل..
أشار إلى ذلك، وإلى أن ما جعل المجتمعات العربية تعيش البؤس والجهل والتخلف، ما تعاني منه وأسماه “محنة ثقافة مزورة”.. المحنة التي رأى بأن سببها الأكبر: “قيام شعوب أوروبا الغربية، وبسبب موقعها على المحيط الأطلسي، وفي عصر تميّز بتطور الملاحة المحيطية على أيدي العرب، بارتياد ثلاث قارات، ومئات الجزر المأهولة بشعوب بسيطة السلاح والتنظيم، وإبادتها لسكان هذه الجزر التي فتحتها لاستيطان ملايين من مواطنيها.. أولئك الذين تولّت الشركات تهجيرهم، وتمويل مشاريعهم، إلى أن خسر العرب أكبر معركة ضد أمّة جديدة.. أمّة تعرفهم جيداً، وتعتقد أن لها ثأراً قديماً عندهم.. ذلك أنهم يملكون تراثاً يعاديها عداءً سافراً…”…
هذا هو سبب ما آل إليه حال العرب لدى “النيهوم”، الذي تمنى لو تعرف شعوبنا مدى خطورة هذا الانقلاب، وبأنه “لولا سيبويه والجاحظ والمعري وغيرهم، لما وُجد عند الغرب فلاسفة وعلماء وأدباء..
أن تعرف أيضاً، بأن رسالة الرأسمالية العالمية، لم تكن يوماً رسالة إنسانية، وإنما رسالة مؤسّسات بعيدة كلّ البعد عن كلّ مبدأ إنساني، وعن كلّ رأسٍ يفكّر بعيداً عن المال، وخدمة رأسه..
إنه ما دلّ به، على أن أوطاننا التي امتلكت الحضارة بأسرها، تعجز عن مواكبة الثقافة بشكلٍ حضاري.. الثقافة التي يرى بأنها انقسمت، وبطريقةٍ جعلتنا خارج صفوف المثقّفين، ولأنها وكما وصفها:
“ولدت في ظلّ الحضارة الغربية التي لا تعادي تراثنا فقط، بل تشترط أن تلغيه من ذاكرتنا، بحجة أنه سبب الكارثة من أولها، وهي تضحية منها تشبه مايروى عن “جحا” الذي قال للطبيب ناصحاً: “المريض إن غيّر اسمه، لايصبح شخصيّاً هو المريض..”..
