الثورة – أديب مخزوم:
مع بداية تفتح أزهار الربيع، تتفتح أزهار الفن في العديد من الصالات العامة والخاصة، رغم صعوبة الحياة، وتراجع وتيرة اقتناء العمل الفني، بسبب ارتفاع أسعار اللوحات والمنحوتات، لأرتفاع أسعار المواد والألوان بشكل جنوني، فالمعارض الجماعية تتواصل في العاصمة، في هذه المرحلة دون توقف، ومن ضمنها المعرض الذي افتتح في صالة عشتار تحت عنوان ” 35 عاماً في خدمة الفن ” متضمناً مجموعة من الأعمال لبعض كبار فنانينا ( من الرواد الراحلين والمخضرمين ) .
وفي صالة كامل افتتح معرض لوحات الفنان غسان نعنع . ويعود إلينا الفنان عبد الله مراد بمجموعة من لوحاته الجديدة في صالة البيت الأزرق .
وإذا حاولنا تحليل ورصد الاتجاهات الفنية في نتاج هذه الأسماء الكبيرة والمخضرمة ، فإننا سنخرج بانطباعات إيجابية جوهرها، أن طروحاتها حديثة وليست تقليدية. وهي من التجارب الفنية المعروفة في سورية، وتتوالد من سياق اختباراتها التقنية ، الأساليب الفنية الخاصة بكل فنان على حدة. على أساس أن التعامل اليومي مع تداعيات التلوين التلقائي، لا بد أن يزيد من درجة الاحساس، وبالتالي لا بد أن يكشف عن حرارة ذاتية خاصة ، في نسيج السطح التصويري من خلال اللون والخط وتكوين التشكيل العام.
ومن هذا المنطلق تظهر اللغة التشكيلية والتحليلية كحاجة ملحة لتغذية التوجهات النقدية ، فالغاية المتوخاة من أية دراسة أو مقالة نقدية تهدف للتعريف بالتجارب من منظور علم الجمال الحديث عبر الغوص في تحليل الأسلوب واللمسة والألوان والتكوين ، وإيجاد قراءة جديدة بمعناها التعبيري والجمالي والروحي .
وفي سياق استعراض نتاجات الأسماء الجديدة، دعت صالة مشوار لحضور معرض الفنانة شيرين الدرعاوي تحت عنوان ” نوستاليجيا ” . كما استضاف المركز الثقافي في الميدان معرضا تشكيليا لخريجي وطلاب الفنون الجميلة. وأيضاً أقيم معرض للشابات والشبان في ثقافي العدوي، وثقافي المزة، ومن المقرر أن يفتتح في ثقافي أبي رمانة معرض للبراعم الفنية، تحت إشراف الأستاذة هديل اللبابيدي، وهنا تكمن أهمية التظاهرات التشكيلية التي تقيمها الصالات العامة، التابعة لوزارة الثقافة في دمشق القديمة, كونها تفسح المجال لاكتشاف مواهب فنية جديدة، بعد سنوات أو أشهر من التدريب والاختبار والعمل المتواصل,إنها ظواهر ثقافية بدأت تطل بكثرة عبر المعارض الجماعية ، وتهدف إلى تشجيع وإعادة اكتشاف الطاقات الشابة ودفعها خطوات إلى الامام، إذ من الضروري أن تكرس الصالات معارض لتظاهرات الشباب، وإجراء مسابقات ومنح جوائز تشجيعية لمن يظهر مقدرة في تشريح مشاهد الواقع, ويؤكد مظاهر التفوق, في امتلاك تقنية اللون وتفهم أسرار الحداثة التشكيلية في سياق البحث عن الجديد الابداعي والابتكاري.
كما أن المعارض الشابة تهدف للوصول إلى مساحة حوار مع بعض الفنانين من المخضرمين, لاسيما وأنها تحتوي في أكثر الأحيان على أعمال حديثة في التشكيل الزيتي والنحت والحفر، ولقد سبق وتعرفنا على بعض نتاج هؤلاء في ملتقيات ومعارض فردية وجماعية سابقة.
وحين تغامر صالة خاصة بعرض لوحات لأسماء جديدة, فهذا يعني المزيد من الاهتمام بالفنون الشابة, على أساس ان الجيل الجديد هو الذي سيحدد مستقبل فنوننا التشكيلية , وهذا يعني أيضاً ظهور المزيد من الاحساس بأهمية الحوار والعمل الفني في إطار الجماعة، فالعمل المشترك يفتح باب الجدل والسجال ويؤدي إلى تبادل الخبرات والمواقف والافكار والآراء . لاسيما وأن العديد من التجارب الشابة تطرح هواجس التمرد على الفنون (الكلاسيكية والرومانسية والواقعية) وتؤكد مسألة الانفتاح على الحرية في التشكيل والتلوين والتعبير باستخدام الوسائل التقنية العصرية، المتداولة في فنون ما بعد الحداثة والمعاصرة التشكيلية, التي عرفتها عواصم الفن الكبرى, في مرحلة ما بعد إطلاق ” فازاريلي” و “كالدر” لأشكالهما البصرية المتغيرة أو المتحركة.
انها أعمال تثير الاسئلة, لأن التشكيل البصري المطروح هنا يدخلنا في جوهر الحالة الرمزية للون التعبيري والتجريدي والرمزي المرتبط بإيقاعية التشكيل العفوي والتلقائي والبدائي أحياناً، فالجمالية التي نجد تجلياتها في هذه المعارض تتركز حول مدى تفاعل الفنون التعبيرية الشابة، مع تأملات التراث الشرقي في خطوات انفتاحها على عوالم الرسم والحركة والمساحة.
