الثورة – حسين صقر:
ما إن يحل عيد الأم حتى تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الموجودة على الهواتف بالحالات والكلمات المنمقة عن الأم وعطائها وحنانها، وذلك من يضع صورة وهذا ذكرى، وتتنوع العبارات المؤثرة، فهذا يانبع الحنان والعطاء، وذاك يازهر الربيع وجلنار نيسان وسنابل الصيف، وآخر يا دفء الخريف وخير الشتاء ووابله.
نعم فالأم تستحق أكثر من ذلك بكثير، ومهما نسجنا من الحروف ونظمنا الشعر وألقينا من الخطابات، لن نفيها حقها، ولو عشنا سنين العمر الطويلة لن نتمكن من رد جزء بسيط من جمائلها التي تتراكم عبر الزمن علينا، منذ فترة الحمل وبعد الولادة، وحتى عندما كبرنا، ونحن نشيب.
لكن ماتحتاجه الأم، ليس الأقوال والمديح والوصف، لأن ماتحتاجه أكبر بكثير، فهي بحاجة لاهتمامنا وإشعارها أننا معها في السراء والضراء، وأننا لن نتخلى عنها مهما جارت علينا الأيام، خاصة وأننا نعرف أشخاصاً ونلتقي بهم لايكترثون بأمهاتهم ولاتعني لهم تلك الكلمة شيئاً، ولايعني لهم فرحهن ولا حزنهن بشيء، وهم ليسوا ببعيدين عنهم جغرافياً، لكن المسافة فقط بعيدة بل ونائية بالقلوب، وذلك النبع من الحنان لايعني لهم سوى بالدلو والغرف منه، أما أن يعتنوا لتبقى مياهه صافية، فذلك لايعني لهم شيئاً.
فمن هؤلاء من يترك والدته لمصيرها دون عناية صحية أو غذائية وكسائية، ومنهم من يتركها تحت رحمة زوجته، لأن هناك من الزوجات من يفرقن بالمعاملة بين الأمهات والحموات، حيث تأخذ من والدة زوجها وتعطي والدتها، وتكرم الأخيرة وتمتدحها في كل مناسبة وتهين الأولى، ومنهم من يلقي بها في دار رعاية المسنين، وذلك بهدف الحصول على منزل أو ميراث أو يضع عليها الحجر لتلك الغاية، أو لتحقيق مآرب زوجته.
في عيد الأم لايهمنا ما يقال عنها، أكثر من تقديم الحاجات والمتطلبات، وأكثر مما يجب فعله من أجل راحتها وجبر خاطرها، بفسحة بزيارة بمرافقة، والبقاء على قرب منها قدر الإمكان وكلما سنحت الفرصة، فجبر الخواطر والأرواح يصعب جبره بعد كسر، وفي عيدها يجب تذكر المحاسن التي قدمتها والتضحيات التي بذلتها من أجلنا، والتذكر أنه بعد فقدها لانستطيع إعادة عجلة الزمن إلى الوراء، ولن نستطيع تسديد ديوننا لها، ونتذكر إذا أخذنا منها شيئاً أو قدمته لنا في ضيقنا أن نرده لها عندما توافر لدينا، وأن نعطيها هذا الحق كي تتمتع به في حياتها، ولا نطمع بها، أو نفضل راحتنا وخدمتنا لذاتنا عليها، ونتذكر أن الأصعب من ذلك أن نغادر هذه الدنيا، وظلمنا أمهاتنا وفضلنا أنفسنا عليهن.
فهناك عيد وهناك مناسبة، من الضروري أن نتحين فرصة رد الجميل، لأن منهن لايقبلن المنة أو الصدقة.
مقابل هؤلاء العاقين الذين لايبرون بأمهاتهم ولايقيمون لهن وزناُ، أعرف الكثير ممن يحملون أمهاتهم على كفوف الراحة كما يقال، وهم على استعداد لأن يبيعوا من لحم أكتافهم ليطعموا أمهاتهم، وكم من شاب أو فتاة ضيعوا فرصة زواج أو عمل أو سفر من أجل التضحية والبقاء بجانب أمهاتهم عندما دعت الحاجة لذلك، ليؤمنوا لهن متطلبات كريمة تليق بعطائهن وكرمهن لأنهن فعلاً رسولات المحبة والسلام وغلال القمح وخير الأرض والسماء.
فمن كانت منهن على قيد الحياة، فلنقدم لها ما نستطيع، ومن تولاها الله برحمته، فألف رحمة علبها ونور، وما علينا إلا بالدعاء، فمن بر بها فليدع، وإذا لم يرض ذاته وضميره، فليترك الأمر لغيره، لأنها دموع كاذبة، وماعليه أن يكثر من الكلام في عيدها ويتنحى جانباً، ودعوة للأمهات اللواتي لا يحملن أي جميل لأولادهن البررة أن يأخذوا مايقدمونه لهم بعين الاعتبار، وليعلموا أن الله لايكلف نفساً إلا وسعها.
ما أجمل الأم وما أجمل عيدها، وما أجمل أن نكون بحقها بررة.