اللاشعر.. في زمن الشعر

الملحق الثقافي-هنادة الحصري:

هل هو زمن الشعر أم زمن الرواية التي أصبحت فيما بعد ديوان العرب كما تنبأ حنا مينة ؟ بين السؤال والإجابة مسافة لابد من عبورها حتى نتلقى بعض الإجابات التي لايمكن أن تكون جازمة وحاسمة، بالتأكيد هو الآن زمن الشعر لا الرواية مع أن الرواية تربعت على عرش قائمة الأعمال الأدبية الأكثر انتشاراً في العقود الأخيرة، ولكن الشعر عاد ليزيحها ويسترد مكانته التي هجرها إلى فترة من الزمن.
ولكن السؤال الأساس: هل كانت عودته بالقوة التي يجب أن تكون عليها، ولماذا عاد وكيف عاد، وإلى متى يستمر في زهوه هذا، هي أسئلة تطرح في حضرة اليوم العالمي للشعر؟ وعلينا تلمس بعض النور الذي يقودنا إلى أدغال وحدائق الشعر في هذه الأيام، وبهذا المعنى من الممكن القول: إن عودة الشعر بمفهومه الحقيقي لما تتم بعد، ولكنه استعاد سطوة وجمال الدروب إليه، التجارب التي لم تتخذ بعد شكل النضج أو تكون علامات فارقة، فثمة ركام هائل يحدث ويزداد الآن في الطريق إلى حقل الشعر، بعضها استطاع أن يحفر خطوات ويمضي إلى أخرى، وبعضها أو جلها الآخر لما يغادر مكانه، وربما يطرح ،حد ما السؤال العادي والضروري: كيف تقول:إنه زمن الشعر وعلام بنيت هذا القول؟
بالتأكيد سؤال محق، والإجابة تقتضي أن نقول إنها عودة قسرية فرضتها ثورة الاتصالات، فرضها عالم افتراضي هو الانترنت وما فرعه من صفحات ومواقع لا تتسع للرواية الطويلة، ولا الحكايات، إنما جدرانه التي هي في معظمها صفحات شخصية، ومن ثم مواقع وصحف إلكترونية، هي سوق عكاظ الجديد، ومربد الشعر، فما من صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي إلا وتجد على جدرانها عشرات النصوص، بغض النظر عن سويتها ونضجها ولكنها محاولات بعضها وصل إلى تحقيق إنجازات كما أسلفنا، وبعضها الآخر يتلمس الطريق.
نعم، العودة لمربع الشعر فرضتها التقنيات الحديثة التي أبعدت الرواية في عصر اللمحة والنظرة والنص السريع كما لو أنه برقية، وربما يتناسب هذا مع القصيدة الومضة، وبالتالي صار الجوال والحاسوب الديوان المفتوح والنص الذي لايترك أثراً كبيراً، وللأمر محاسنه ومساوئه الكثيرة، فلم يعد بإمكان المتابع أن يعرف هل هذا النص ملطوش، أم إنه خارج من أتون الموهبة الشعرية، وصار التراكم السريع مقبرة للشعراء وتجاربهم، ويمكن حذفه برفة عين، وبالتالي لايمكن الركون إليه على أنه علامة من علامات النضج والتطور.
هكذا فرض إيقاع الحياة السريع عودة الشعر إلى مكانته ولو وهمياً وعودة يجب فعل الكثير حتى تصبح حقيقيةً واقعة فهل يطول العمل؟ ربما الأمر يحتاج إلى وقت طويل، لكنها العودة إلى زمن الشعر، ومن هذه العودة الميمونة يمكن أن نقول إنه اللاشعر في زمن الشعر فكيف يستقيم الأمر؟
اللاشعر
لاينكر أحد ما أن كتاب أدونيس زمن الشعر يعتبر إيقونة نقدية حقيقية صالحة لزمن جديد، مع أن الكتاب مقالان نقدية نشرت في صحف ومجلات آنذاك لكنها جديدة كل الجدة حتى الآن، وبالاتكاء على زمن الشعر لأدونيس يمكن الاقتباس تكشف عن بعض جوهر الشعر يقول أدونيس في زمن الشعر ص 145: أنت شاعر «إذن أنت تعرف أن القصيدة التي تنقل دلالات مباشرة القصيدة الوحيدة اللون الخيط الواحد وليست شعراً، هكذا تثقل شعرك بالأبعاد فالقصيدة عندك شبكة، وهي متلالئة وثقيلة كالذبيحة، اطرح الأسئلة إنها قوتك، شعرنا القديم يتكلم على العالم: شعرنا الجديد يتكلم العالم، ويضيف في الصفحة 150 قائلاً:أنت شاعر ليس لأنك تعبر بصدق عن تجربتك، بل لأنك تعبر عن مجموعة التجارب المشتركة والمتوارثة ويقل حظك من الشعر بقدر ما تعمق تجربتك وتتفرد، وربما سماك وقتئذ أصحاب هذا الذوق مجنوناً، أو شاذاً إذا أرادوا أن يتلطفوا، وما أكثر ما يعبر عنهم قول أندريه جيد (ينهون حياتهم دون أن يعانوا شعوراً صادقاً حياً يتخيلون أنهم يحبون ويتألمون إن موتهم ذاته تقليد).
هذا المناخ الذي يضعه أدونيس للتجربة الشعرية يرفض التجربة الجماعية والتقليد، التجربة الأساس للإبداع، الذات المتقدة المتوهجة كما عند مدرسة الإبداع، الألم مصدر التفرد والتوهج، القدرة على رسم ملاح درب لك وحدك كشاعر هي التي تعطيك هويتك بصمتك قدرتك على أن تكون علامة فارقة في الطريق إلى منارات الشعر، ولنا أن نسأل: هل من محيط صاخب بالألم والمعاناة الجماعية والفردية وغموض اللحظة الراهنة والمستقبل، أكثر مما تمر به هذه الأوطان، أليس العذاب الفردي والمصير المؤلم والمجهول قاسماً عاماً ومن ثم التفاصيل الصغيرة الأخرى، فلماذا لم تتقد التجارب الشعرية، أين القدرة على الإنجاز الحقيقي، السؤال يطرح أسئلة تتكاثر كما لو أنها خلايا: سبع سنوات من مخاضات الألم والموت والدمار، ولا تجربة شعرية تتخذ مدارها، أحقاً، لماذا هذا التشابه في اللاشعر بين الجميع، هل فقدت الروح الشاعرة القدرة على التحسس والالتقاط ؟
نفهم أن الرواية تحتاج زمناً من النضج والتأمل ولكن ماذا عن الشعر اليوم وقد استعاد مكانة ما، استعادها بفضل التطور الحاصل، فهل يستطيع أن يحافظ عليها ويكون جديراً بها ؟
ما نراه الآن أنه زمن اللاشعر في زمن الشعر، زمن الشعر بما توفر له وما يفتق ما اختبأ وتخمر ولكن على ما يبدو أن ثمة يباساً كبيراً وتموتاً قد حصل فمتى تخضل الجذور ويعود الشعر قنديلاً أخضر؟

التاريخ: الثلاثاء22-3-2022

رقم العدد :1088

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا