الثورة – ترجمة ختام أحمد:
سعت الولايات المتحدة إلى تطوير الفضاء الإلكتروني حيث عززت الإنترنت، ودعمت الرؤى الغربية للانفتاح المجتمعي والتجارة العالمية، وربط الحياة بكل أشكالها في هذا الفضاء كونه “المجال الخامس” للمنافسة والصراع (بعد الأرض والبحر والجو والفضاء)، ويختلف عن المجالات الأخرى فقط من حيث إنه من صنع الإنسان، وبالتالي هو سياسي بطبيعته، لذلك يتطلب تحسين الدفاعات السيبرانية الوطنية من قبل صانعي السياسة في كل دول العالم وإعادة تشكيل علاقة الدول بالإنترنت.
ولكي يحدث ذلك، يجب على العالم الاعتراف بأن التبني الشامل وغير النقدي للاتصال الرقمي يستلزم تبعات إلكترونية غير متوقعة ومحفوفة بالمخاطر بشكل غير مقبول في كل جانب من جوانب الحياة العامة والخاصة.
فهناك مفاضلة بين الانفتاح الرقمي والأمن السيبراني، وعلينا أن نفهم أن بعض الدول كأمريكا سمحت لنقاط الضعف الاستراتيجية بالظهور لأنها اختارت الانفتاح في مجال التسليح.
كيف يجب أن نرتكز على أساس أفضل في هذا المجال الخامس من المنافسة والصراع..؟
أنشأت الولايات المتحدة الإنترنت لتعزيز الأمن القومي ولم تروج لها إلا في وقت لاحق برؤية الانفتاح الرقمي والعولمة، وقامت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DARPA) ببناء أساس الإنترنت في محاولة من البنتاغون لضمان استمرار العمليات في حالة وقوع هجوم نووي.
بعد انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة، ركز صنَّاع السياسة في التسعينيات على تطبيق الإنترنت في زمن السلم من خلال إنشاء إطار قانوني لتشجيع المنافسة والانفتاح في السوق المحلية لشركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي أصبحت مزودي خدمة الإنترنت (ISPs).
تتجاهل معظم النقاشات حول مستقبل الإنترنت قصة الأصل السياسي للفضاء السيبراني، ما يؤدي إلى تحيز صانعي السياسة الأمريكيين وأصحاب المصلحة من القطاع الخاص بعيداً عن الخيارات الممكنة (وإن كانت جذرية) لتحسين الأمن السيبراني القومي. تتجاهل الأسطورة العالمية والمتفائلة بالتكنولوجيا حول ظهور الإنترنت والطبيعة غير السياسية – المتمركزة في الخيال التحرري حول رواد الأعمال في وادي السيليكون – بسذاجة مصالح الأمن القومي الأساسية التي ينطوي عليها الفضاء الإلكتروني الذي ترعاه الولايات المتحدة.
كما قال المتحمسون للتكنولوجيا وشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الكبرى ومزودو خدمات الإنترنت، فإن هذه الأسطورة تغفل وجود فجوة في السياسة الصناعية والتكنولوجية الأمريكية، وبالتالي فهي صامتة بشأن الطبيعة السياسية المتأصلة للإنترنت.
تعد بنية الإنترنت التي تغير ميزان القوة الإلكترونية أمراً حيوياً لأن الوظائف الوطنية الحاسمة تعتمد على شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمدافعين عن شبكاتهم الذين يتمتعون غالباً برؤية أفضل من الحكومة في عمليات القرصنة العدائية.
تتصل معظم الوكالات الحكومية خارج المجتمع العسكري والاستخباراتي بالإنترنت، وتتعرض لهجمات منتظمة من قبل المتسللين عبر الإنترنت من جميع أنحاء العالم، حتى أنظمة الإنترنت المقيدة بالهواء مثل الشبكات الحكومية المصنفة تحمي أجهزة الكمبيوتر التي تعتمد على البائعين الخاصين مع سلاسل التوريد العالمية للتحديثات والتصحيحات وأنظمة تشغيل الجيل التالي (مثل Windows 11)، ما يؤدي إلى إنشاء موجات هجوم من الخارج، على سبيل المثال، الاقتحام السيبراني الروسي عام 2020 لشركة SolarWinds، حيث تمكن من الوصول إلى الأنظمة الحساسة غير المصنفة للحكومة الأمريكية، حيث أغلقت اتصالاتها السرية التي كانت تشغل برنامج SolarWinds، وأظهرت التهديد الذي تتعرض له وكالات الدولة من هجوم سلسلة التوريد الرقمية على شركة خاصة.
إن تحويل مكانة الأمة في الفضاء الإلكتروني من الاتصال غير النقدي إلى الأمن الحازم يعني قبول الطبيعة السياسية للإنترنت. يعد الفضاء الإلكتروني المجال الخامس للمنافسة الجيوسياسية والصراع، وليس مجرد سوق افتراضي للتجارة الخاصة.
تتطلب المقترحات الجادة التي من شأنها أن تجعل القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة آمنين أن يقبل رجال الدولة الواقعية الجيوسياسية حول العلاقات الدولية، ورفض أسطورة الإنترنت المتفائلة بالتكنولوجيا.
ولا شك بأن حل المشكلة الأساسية المتعلقة بفن الحكم السيبراني والسياسة الصناعية والتكنولوجية، من أجل مستقبل أكثر أماناً، هي الخيار الوحيد المتبقي لنا.
بقلم: ناثان هيتشن
المصدر:
The American Conservative