الثورة – أيمن الحرفي:
يولي علماء النفس و التربية أهمية كبرى فيما يخص تربية الأطفال و تنشئتهم، وأعدت الدراسات و الأبحاث التربوية والنفسية للوصول إلى أفضل حالة و أحسن تنشئة لهذا الكائن (طفل اليوم هو رجل المستقبل )، وهل تساءلنا يوماً ما الذي يحفز الطفل و بالتالي أفكاره و سلوكياته.
إن الدارس و الباحث للطبيعة البشرية يدرك أننا ما زلنا في تقصير في فهمنا لطبيعة الأطفال، و لقد وجدت نظريات تحاول أن تواكب تطور أساس ذكاء الطفل و نمو شخصيته و سلوكه الاجتماعي و قدرته على التعلم و تشمل هذه النظريات: التعلق، و النمو النفسي و الاجتماعي و المعرفي بالإضافة للنظرية الاجتماعية و النظرية الثقافية. فالنظريةالأولى تركز على التعلق عند الطفل التي تستند إلى الروابط العاطفية والجسدية القوية والتي تخلق شعوراً بالأمان عنده، فالطفل الرضيع يشعر بالأمان و الاستقرار تجاه من يمنحه هذا العطاء و يتخذ من البكاء وسيلة لطلب المساعدة، أما النظرية الثانية فهي نظرية التطور النفسي والاجتماعي فالطفل في حالة تحول في مراحل حياته تبدأ بالأمل و تستمر حتى العام الثاني من عمر الطفل لتبدأ مرحلة الإرادة، و تستمر حتى العام الرابع لتأتي مرحلة الهدف و بعدها الكفاءة حتى ١٢ عاماً، و بعدها مراحل الإخلاص والحب و الحكمة، ثم تأتي نظرية التطور المعرفي حيث يتلقى الطفل المعلومات والخبرات و التأسيس الرسمي للعقل والوعي و الإدراك فالطفل منذ ولادته يتلقى التعليم يومياً، و يترجم هذه المعلومات لفهم ما يدور حوله في هذا العالم، أما آخر هذه النظريات فهي النظرية الاجتماعية الثقافية، فالمجتمع والثقافة و التفاعلات الحاصلة هي مفتاح نمو الطفل للوصول إلى مرحلة الاستيعاب و الفهم لمحيطه.
ويعطي هؤلاء الفلاسفة الأم الجانب الأكبر في عملية التربية، فالأم هي الميزان لاستبدادهم و الحكمة لطيشهم والنظام لعبثهم والحلم لغضبهم و الحل لمشاكلهم.
كل هذه الأمور وغيرها تتحكم بدفته الأم بحنان قلبها الكبير فهذا القلب هو الحل لكل قضايا هذه القلوب الصغيرة.
و الأم هي الأقدر لإيصال رسائل التربية الحديثة و النظريات والدراسات المتطورة، و هي الأقدر على تربية الطفل وحسن رعايته، وهي الأمل ومعقد الرجاء لبناء شخصية سليمة قوية بحيث ينشأ كريم الطباع، حميد الأخلاق، ناصراُ للحق، محباً للناس، سباقاً للخير، ومناصراً له و ناجحاً في حياته.
وفي سبيل تحقيق ذلك علينا تهيئة البيئة المنزلية المناسبة و المريحة، فالحياة العائلية المتفاهمة و الوفاق العائلي بين الوالدين كل ذلك يساهم في خلق الجو المساعد لنمو شخصية متزنة و سوية تشبع حاجة الطفل ويكون لها أعظم الأثر في حياته.
فالطفل بحاجة إلى الأمن والطمأنينة و لا يتحقق ذلك إلا في ظل علاقات تتفيأ تحت مظلة الحب و التفاهم و القبول والصراحة والتكيف مع الآخر و الثقة به، فما يلقاه الطفل في الأسرة من عطف ومحبة و عناية و آداب و سلوكيات وما يلمسه من المحيطين به له الأثر الكبير في اتجاهاته مستقبلاً، فالطفل السوي ثمرة البيئة الصالحة.
وتعد علاقة الطفل بأمه أبعد العلاقات أثراً في تكوين شخصيته إذ تبدأ حياة الطفل بعلاقات بيولوجية حيوية تربطه بأمه تقوم في جوهرها على إشباع الحاجات العضوية كالطعام و النوم و الدفء ثم تتطور إلى علاقات نفسية قوية، و توفر له الحب والحنان، فالأم هي الحب الأول في حياة الطفل، و هي أهم شخص لصحته، وسعادته وبقائه.
وكذلك تشعر الأم بامتداد شخصيتها في شخصية طفلها و عليها مسؤولية الحياة داخل المنزل كما عليها مسؤولية أكبر هي استمرار الحياة الاجتماعية بتقاليدها وأفكارها و ثقافتها و يتم ذلك عن طريق تربية الأطفال وتشكيلهم نفسياً و اجتماعياً، وتهيئة الجو الذي يساعدهم على النمو السليم ليصبحوا أعضاء نافعين في مجتمعهم.
والأم المثالية هي التي تتمتع بشخصية متزنة، ناضجة انفعالياً، غير متغيرة المزاج ، تعرف اخطاءها معرفة موضوعية بعيداً عن التحيز و المكابرة.
والأم و الأب يضعان طفلهما في الطريق الصحيح لمشاركة اجتماعية ناجحة، فمن خلال الاحتكاك بالآخرين تتبلور شخصيته و يستفيد من المواقف المتعددة التي يتعرض لها في أدواره الاجتماعية اللاحقة.
و في كتاب “نحن وأطفالنا ” للباحث التربوي و الاجتماعي عبد العزيز الخضراء يقول: يحتاج الطفل إلى حنان الأهل وملاطفتهم كحاجته إلى الهواء، عليه أن يتشبع هذا الحنان في سنوات حياته الأولى لكي يستطيع فيما بعد أن يعطيه للآخرين.