مرت في الثامن من نيسان – ابريل، ذكرى رحيل الفنان الأسطوري بابلو بيكاسو، حيث شكل انقلابه الفني الأبيض الذي تزعمه عام 1907 عبر لوحته الشهيرة ( فتيات أفنيون ) بداية لأكبر ثورة فنية عرفها العصر الحديث، ثورة غيرت مجرى الفن في القرن العشرين.
وأعمال بابلو بيكاسو هي الأكثر رواجاً وشهرة وإشكالية وثورية وإنقلابية, خاصة وأن العالم أجمع ينظر إليه على أنه تجاوز حدود الأسطورة، وتحول إلى مايشبه الخرافة ( ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى أن بيكاسو، حتى خلال حياته، لم يكن بحاجة إلى أموال لشراء مايريد، إذ كان يكتفي برسم أي شيء بقلمه على ورقة بيضاء، حتى يباع هذا الرسم بآلاف الدولارات) أما لوحاته فقد تجاوز سعر بعضها حدود المئة مليون دولار للوحة الواحدة، وحطمت لوحته ” نساء الجزائر” الرقم القياسي لأغلى لوحة حديثة، حين بيعت بـ ( 179 مليون دولار أميركي في مزاد كريستيز في نيويورك عام 2015).
إن المسعى العظيم لبيكاسو كان في أنه أخرج الفن من مداره ووضعه في مدار جديد، ولا يزال العالم كله يدور في فلك فن بيكاسو بعد مرور أكثر من مئة وخمسة عشر عاما على إطلاق لوحته الشهيرة “فتيات أفنيون” التي شكلت بداية الإنعطاف نحو التكعيبية في مدرسة باريس. إن هذا العمل هو أول علامة حقيقية قام بها الإنسان منذ عهد الإغريق للاعتراف بأن العمل الفني ليس تجسيداً كلاسيكياً أو رومانسياً أو واقعياً أو انطباعياً. وباختصار منذ مئات السنين حتى مجيء بيكاسو، كان العالم مشغولاً بمسألة ذهنية لا تتغير، وهي قائمة على مسلمات تقليدية ومثالية.
بابلو بيكاسو ولد بمالقا – اسبانيا في 25 أكتوبر عام 1881 , ورحل بفرنسا في 8 أبريل 1973 ، ولقد ساهم والده الذي كان يعمل أستاذا للرسم في توجيهه نحو اكتساب أسرار حرفة الرسم التقليدي وإعداده ليعمل في تشكيل صياغة لوحات الأزهار والأشكال الصامتة والمناظر, إلا أن بيكاسو سرعان ما تمرد على تعاليم والده , وقام في العام 1900 بزيارته الأولى إلى باريس, حيث استأجر محترفا في شارع رافينان, وبرز اهتمامه بالحركة الفنية الحديثة . وفي نفس العام الذي وضع فيه بيكاسو أول خطوة على طريق الفن التكعيبي, كان جورج براك قد حقق نفس الاكتشاف ( عام 1908 ) عندما عاد من إجازة الصيف حاملا معه مجموعة لوحات لمناظر خلوية رسمها بطريقة سيزان, إلا أن ما يميز بيكاسو عن غيره من قادة الفن الحديث, انه كان متمردا حتى على تجاربه, كان يتناسى نقطة الوصل ويعود من جديد إلى نقطة الصفر، في البحث عن المجهول, اللا نهائي.