“أرى أنّ هناك نشاطاً بين دمشق ودول الجامعة العربية، وإذا أراد الأسد أن يكون جزءاً من المنطقة، فسيتعين عليه وقف علاقاته السلبية مع إيران، والإرهاب الذي تنشره في سورية.. إسرائيل تسعى إلى تعزيز التعاون الاستخباري ضد الانتهاكات الإيرانية، بالتعاون مع واشنطن وشركائها الإقليميين”.
ما سبق هي تصريحات لوزير الحرب في الكيان المؤقت بني غانتس، وهي صريحةٌ حدّ الوقاحة، وهذه وقاحةٌ معتادة لدى الكيان وحكامه، لكن المختلف هذه المرة، أنّ وقاحة الكيان قديماً كانت تستند لصلافة القوة، التي كان قادراً على استخدامها متى شاء وكيف شاء وأين شاء، أمّا اليوم فهي وقاحة الطفل المشاغب، قليل الحيلة سوى من لسانٍ بلا تربية.
ولكن بعيداً عن كون سورية لا تتعاطى مع هذه التصريحات، وبغض النظر عن عجز الكيان المؤقت الذي لا يتناسب مع هذه الاستعراضات اللسانية، فإنّ وقاحة غانتس كاشفة، حيث إنّه يكشف المحرك الرئيسي لما يُسمى بـ”الثورة” السورية، ويضع النقاط فوق الحروف حول الأسباب الحقيقية لاستهداف سورية، وهي الموقف السوري من الصراع العربي-“الإسرائيلي”.
ومن المفيد هنا التذكر بتصريحات رئيس وزراء الكيان المؤقت الأسبق إيهود أولمرت، الذي قال فيها: “لو قبل الأسد لقائي، لما اشتعلت الحرب في سورية”، وهذا التصريح يُعتبر ترجمة حرفية لتصريحات غانتس، ولكن مضافاً إليها السيناريو الأوضح، فيما لو كانت سقطت سورية، حيث سيصبح حينها الكيان المؤقت، هو الآمر الناهي في المنطقة، والآمر الناهي في الجامعة العربية من فوق المنصة وليس من خلف الستار.
كما أنّ تصريحات غانتس تستبطن كشفاً آخر، وهو كشف يتضمن اتهاماً خطراً لكل الأنظمة المنبطحة تطبيعاً، حيث قال غانتس إنّهم يعملون جميعاً لدينا في”الموساد”، وهذه ترجمة حرفية للفظ “التعاون الاستخباري”، والتعاون الاستخباري لا معنى له في العرف”الإسرائيلي”، سوى التجسس على المقاومة بكل أطرافها وكل أطيافها.
إنّ الكيان الذي يعيش حالة من العجز الظاهر، ليس أمامه الكثير من الخيارات، حيث قد يُعتبر قرار استخدام القوة، هو القرار الأخير والقاتل للكيان، لذلك يحاول استغلال الحالة التطبيعية للحدّ الأقصى، وهذا العجز ظاهر في المواجهات داخل فلسطين المحتلة، فهو يتجنب الصدام مع غزة بشكلٍ عمليٍ، بينما يستعرض كلامياً بالتهديد والوعيد لمحورٍ مقاوم بأكمله.
وسنشهد تراجعاً “إسرائيلياً” على أرجح تقدير، عمّا يتم التحضير له، مما يُسمى ذبح القرابين في ساحات الأقصى، لأنّ الكيان يتجنب تكرار تجربة “سيف القدس”، بكل ما يمكن أن ينتج عنها من توسع شعاع اللهب نحو جبهاتٍ أخرى، إلّا إذا امتلك بينت من الحماقة ما يكفي، للإقدام على ما من شأنّه أن يكون تهديداً وجودياً للكيان، ولكن الشاهد، أنّ عجز الكيان وصل حد الخشية من مواجهة بقعة محاصرة تسمى غزة.
إنّ تصريحات غانتس، تعني أنّ كل من ساند سورية، كان في الخندق الصحيح، وأنّ سورية ليست فقط عمود المقاومة، بل عمود البقاء لخيمة الأمة الأخيرة.
