المثقف والدور المطلوب

الملحق الثقافي: نبيل فوزات نوفل:

كثر الحديث عن المثقفين ودورهم والمهام الملقاة على عاتقهم في بناء وتطور المجتمعات، واختلف دورهم من مجتمع لآخر عبر التاريخ، وحسب طبيعة النظام السياسي وثقافة المجتمع، ومدى احترامه للثقافة، والقيم التي تحكمه، ونتيجة لذلك انقسم المثقفون إلى أصناف وأنواع، فمنهم من آثر السير مع الواقع وتجنب المخاطر، ومنهم من اختار الصدام والمواجهة، ومنهم من اختار الموقف الانتهازي، ومنهم لعب دور المرتزق، ومنهم من أصر على أن يكون مثقفاً عضوياً، ومنهم من اختار النهج العدمي وأن يكون أداة بيد المراكز الاستعمارية وتسويق أفكار المستعمر لتدمير الانتماء للأمم والشعوب تحت مسميات مختلفة.
المثقف العربي والشباك الأميركية الصهيونية
لا شك أن الأمراض التي يعاني منها الوطن العربي والمجتمعات العربية في المجالات المختلفة تؤثر على المثقف وتزيد من أزماته، وفي مقدمتها الانسحاق أمام الثقافة الأجنبية، أو الارتباط فكراً وممارسة وسلوكاً بالأجنبي، ما أدى إلى الابتعاد عن فهم الواقع وابتكار الحلول المناسبة وطرح شعارات مستوردة لا علاقة لها بالواقع العربي، و بروز ظاهرة «العقل الأسير» الذي هو من نتاج المعاهد العالمية الدراسية داخل الوطن العربي أو خارجه والتي تسيطر على طريقة تفكيره، ما جعل من معظم المثقفين عاجزين عن بحث مشاكل المجتمعات العربية، واستنباط طريقة تحليلية مستقلة للأنماط السائدة، فجاءت نظرة البعض للأمور نظرة جزئية، مغتربة عن القضايا الأساسية للمجتمع، وغريبة عن قضاياه الوطنية والقومية، وفقدان الارتباط بالجماهير، فهناك من يعتمد نسخ لصق والأخذ بالنظريات والمفاهيم الواردة من الخارج دون تمحيص ما أدى إلى التعمية العلمية والفوضى التي نعاني منها حالياً، وهذا ساعد على فشل المثقفين في مجتمعاتهم، ووقوعهم في الاضطراب السلوكي والفكري والتناقض بين القول والفعل.. إلى جانب انسلاخ الكثير من المثقفين من انتمائهم الطبقي وتفشي روح الانتهازية، واللهاث وراء المواقع السلطوية فالمثقف كثيراً ما يقدم نفسه على أنه ضحية السلطة ولكنه قلما يتنازل عما تمنحه له السلطة من امتيازات إنه يطمح إلى اكتمال سلطته إلى أن يكون سلطة، ومما ساعد على عرقلة دور المثقف في الوطن العربي هو تخلف التعليم في الوطن العربي ،ما أدى إلى بقاء الجماهير الواسعة في حظيرة الأمية، وهبوط المستوى الثقافي العام لدى أجيال المتعلمين وتحول التعليم إلى شهادات، صالحة للعمل، وانتشار ظاهرة المثقف النرجسي الذي يعتبر نفسه هو الكاتب الوحيد والشاعر الوحيد، والأديب الوحيد، هذه الظواهر سمحت للقوى الاستعمارية وعلى رأسها الامبريالية الأميركية والصهيونية أن تشجع على انتشار ما يمكن أن نسميه بالمثقف الغراب، والمثقف المخملي، وغير المنتمي، والعدمي، والنرجسي، وهؤلاء ينتشرون ويتكاثرون بسرعة، تحت مسميات مختلفة فهم يعادون الايديولوجيا والانتماء الوطني والقومي..لقد سهل هذا الواقع على القوى الاستعمارية وخاصة أميركا اصطياد ما يسمون مثقفين وإيقاعهم في شباكها يرددون ما تريد تسويقه بهدف إضعاف الانتماء الوطني للشعوب، وخلق الإنسان المجرد من أي هدف أو قضية أو رسالة يحملها للنهوض بالإنسانية، وشجعت على ظاهرة التكفير وقتل المفكرين والمبدعين ومحاصرتهم، من خلال دعمها ما يسمى الفكر التكفيري والتاريخ العربي يذكر حالات القتل والذبح والسلخ بحق نخبة متألقة من الكواكب المتلألئة في فضاءات الحضارة العربية والإسلامية، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، /الطبري/ قتل، وأن /الحلاج/و (ابن المقفع و الجعد بن درهم و(ابن الفارض) والسهروردي، والإمام ابن حنبل و/المعري/ و/إبن حيان/ ،ونفي /إبن النمر/ ، وأحرقت كتب /الغزالي/، و/ابن رشد/، و/الأصفهاني/ ،واتهموا في إيمانهم، واتهم بالكفر /الفارابي/، و/الرازي/ و/ابن سينا /و/الكندي/ و/الغزالي / وغيرهم..وما يجري اليوم في الوطن العربي هو استمرار لما تم بالأمس فيجري دعم الفكر التكفيري والأنظمة الفاشلة لتبقى المجتمعات ترفل بالجهل والفقر ليسهل على أميركا صناعة العصابات المسلحة لتمارس القتل والتصفية للعقول النيرة، وما فعلته في الحرب العدوانية الإرهابية على سورية والعراق دليل واضح على همجيتها، فقد تم قتل الكثير من العلماء والمثقفين لقد أصبح الكثير ممن يسمون أنفسهم مثقفين عرباً أبواقاً لنشر وتسويق الفكر الغربي الأميركي، لنشر الاستسلام، واليأس، والركوع لأميركا والقضاء على الفكر المقاوم لها مقابل إعطائهم بعض الألقاب والدولارات وغير ذلك وهذا ما كشف عنه و»ارمرز» أحد مستشاري البيت الأبيض بتصنيفهم بثلاث فئات الأحصنة والحمير والخنازير.
المثقفون العرب والدور المنوط بهم
الثقافة أرقى ثمرة من ثمار الفكر، والتفكير هو أرقى ما في الإنسان من نشاط، وهو معرفة جوهر الأشياء والظواهر، والمثقفون فئة اجتماعية اختصاصها الفكر وهمها التساؤل والنقد والبناء، وهو دور رفيع وحاسم، وإن الذين ينكرون أننا نعيش في أزمة لا يخدعون إلا أنفسهم، والذين ينتظرون معجزة من خارجنا سوف ينتظرون إلى الأبد دون جدوى، وهذا يحتم على المثقفين أن يكون لهم موقف من الراهن، فليس من الطبيعي أن نطالب الآخرين أن يحققوا للمثقفين ما يريدون بل عليهم أن يناضلوا لتحقيق ما يريدون، وإذا ما حاولوا وحدهم أن يكونوا مثقفين فقط وأصحاب رأي فقط، فهم مهزومون ولن يكون لهم دور، فلا يحق للمثقفين أن يتبادلوا التوعية فيما بينهم فقط لأنهم يسقطون في هذه الحالة في خطاب ذاتي، فالواقع هم دائم والموقف الإيجابي منه مسؤولية دائمة، و ليس لأحد أن يقلل من هذه المسؤولية، وعلى المثقف أن يدرك أن هناك فرقاً كبيراً بين صاحب الحرفة وبين المثقف، فليس كل مثقف مثقفاً لأنه حصل على شهادة، وعلى المثقفين رفض جميع أشكال العمل الثقافي والأدبي والفني ذات الطابع الذاتي التي تهجر الواقع و النزول إلى ميدان العمل العام، وعدم الاستسلام لليأس، التصدي للجهل ومكافحته وتحطيم مظاهر الفساد بأنواعه، وأن يكرس المثقف فاعليته بممارسته النظرية والعملية، ولا ينتظر أن تعطى له الفعالية لأنها ليست قراراً خارجياً، وإنما نابعة من ذات المثقف ونتاج مبادراته الإبداعية، ومما يقوي من تأثير وأهمية المثقف استيعابه قدراً أكبر من ثقافة أمته، و قدراً أكبر من ثقافات الأمم، وأن يمتلك وعياً أكثر بدوره والتزاماً أعمق بفكره، وموقفاً أصلب من الطغيان والاستغلال وإرادة أقوى للتغيير ويهتم بقضايا أمته، إن التزام المثقف بقضية الجماهير لا يمكن أن يتوافر إلا إذا توافر وعي إيديولوجي نام ومتطور مقترناً بأخلاقية ثورية وهذا يساهم في إسقاط أي شكل من أشكال الانتهازية والوصولية والمغامرة، وكما نعلم إن المثقف هو من يكرس الإيجابيات ويحث الناس عليها، ويقاوم السلبي ويحذر الناس منها، إنه مراقب لسير عملية تطور المجتمع، إذاً لا يوجد حياد في المجتمع، وخاصة بالنسبة للمثقفين فالحياة موقف والموقف انتماء ومسؤولية. وإن كل مفاهيم العقل والعقلانية والهوية والعلمانية والتثاقف والحداثة والايديولوجيا، يظل العقل النقدي العمود الفقري لها ،وبالتالي فإن التزاوج بين عملية التواصل والتلاقح مع الثقافات العالمية والأصول المحلية، ضرورة، فكما يرى المفكرالعربي د.زكي نجيب محفوظ إن الذي يعاب على المثقف العربي ليس الأخذ من الغرب والأجنبي، بل النقل المخطوف، والفهم السطحي للمنقول وانتحال الأصالة فيما ننقله ورؤية الأصل المنقول من خلال الحجب المغلفة بالضباب.
ومن المهام الملقاة على عاتق المثقفين في الوطن العربي إعادة دراسة تراثنا، من موقف الاعتزاز بهذه الأمة لا لاستهزاء بها ، من موقع الثقة بالنفس لا من موقع اليأس، مستندين إلى منهج الفكرالنقدي الذي يسلك طريقة المواجهة والصراع مع الذات والآخر، و خوض معركة الذات مع الذات، وعدم اقتصار ثقافته عند ثقافة الأوائل لا تتعداها إلى ما آلت إليه الثقافة في عصره فليس من الشجاعة أن نواجه المدفع بالسيف، والتخلص من بدعة المثقف المستقل، فليس هناك مثقف بلا مبدأ أو عقيدة، وهذا يجعل منه غير مستقل، فالمثقف الحقيقي إما أن يكون في المعركة أو لا يكون..فعلى المثقف أن يتعرف على الواقع العربي كمقدمة لتغيره وأن يكون هذا التعرف تاريخياً وعلمياً وكلياً، وأن يتحدى و يكون له رأي في كل ما يعتري مجتمعه.

التاريخ:الثلاثاء26-4-2022
رقم العدد :1093

آخر الأخبار
دخل ونفقات الأسرة بمسح وطني شامل  حركة نشطة يشهدها مركز حدود نصيب زراعة الموز في طرطوس بين التحديات ومنافسة المستورد... فهل تستمر؟ النحاس لـ"الثورة": الهوية البصرية تعكس تطلعات السوريين برسم وطن الحرية  الجفاف والاحتلال الإسرائيلي يهددان الزراعة في جنوب سوريا أطفال مشردون ومدمنون وحوامل.. ظواهر صادمة في الشارع تهدّد أطفال سوريا صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار سلل غذائية للأسر العائدة والأكثر حاجة في حلب  سوريا تفتح أبوابها للاستثمار.. انطلاقة اقتصادية جديدة بدفع عربي ودولي  قوات الأمن والدفاع المدني بوجٍه نيران الغابات في قسطل معاف  قضية دولية تلاحق المخلوع بشار الأسد.. النيابة الفرنسية تطالب بتثبيت مذكرة توقيفه  بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي