بداية لابد من القول إن مرسوم العفو رقم / 7/ ، يشكل علامةً فارقةً في تاريخ بلدنا، ومردّ ذلك استراتيجيتها الذكية والمتفرّدة في الخطو نحو مستقبلٍ جديدٍ قائم على عدم مغبة الركون لمآسي الماضي، واحتواء المخطئ وإعطائه فرصة لتصحيح سقطاته، إضافةً لتدشين مرحلة مشرقة تكرّس الاستفادة من فصول الحرب القاسية في المستقبل،علاوةً على أولوية جسيمة تقع على عاتق الدولة وكل السوريين، وتندرج ضمن اهتمامات السيد الرئيس بشار الأسد شخصياً،وهي إعادة بناء العقل والإيدولوجيات والمفاهيم.
مما أشرنا إليه يأتي هذا المرسوم ضمن استراتيجية واضحة للدولة، وهي أن سورية لا تُبني إلا بتضافر جهود وإمكانيّات كل أبنائها في الداخل والخارج، ما يعني أن هذا المرسوم يصل إلى مستوى حالة وطنيّة تتجاوز الجرح والألم والمعاناة، التي مرّرنا بها سواء داخل الوطن أم خارجه، ويدل على قوة الدولة التي تؤكد من خلاله أنه آن الأوان لفتح صفحة جديدة للذين غُرر بهم أو أخطؤوا بحقها للعودة إلى المجتمع، بما يمثله من منعطف قانوني فريد وجريء ومهم في فتح صفحة جديدة في تاريخ سورية، بعد سنوات سوداء، كما جاء ليتوج المصالحات التي تمت بعفو عام شامل، على كامل العقوبة في الجرائم الإرهابية عدا تلك التي أدت إلى القتل، وبهذا يكون المرسوم أهم مراسيم العفو وأوسعها شمولاً بالنسبة للجرائم الإرهابية.
كما يشكل العنوان الحقيقي لمرحلة جديدة بمعاييرها ومستوياتها، ويمثل الحدّ الفاصل بين فترتين زمنيتين، لكل منهما حساباتها ومفاهيمها، وبالتدقيق البسيط في أهمية هذا العفو، يجب أن ننطلق من أن العدوان على سورية كان عدواناً مركّباً، داخل فيه الثقافي بالسياسي بالاجتماعي بمنظومة القيم الأخلاقية والحضارية والإنسانية، وصولاً إلى العدوان على المفاهيم،المفاهيم التي أخضعها هذا العدوان للتشويه وليِّ عنقها،ليأتي العفو العام كحالة تهدف إلى تحقيق انسجام على الصعيد العام في المجتمع،وحالة تسامح فريدة وصك قانوني نادر، لم يسبق أن صدر،بهدف انتشال السوريين من المسارات التي غرروا بها خلال أكثر من عشر سنوات سوداء وإعادتهم إلى مسارات العلم والعمل والبناء،وملء الميدان بالأيدي العاملة السورية.
إذا المرسوم فتح أفق إفراجٍ واسع أمام مرتكبي الجرائم الإرهابية كونه شمل كل مرتكب للفعل الجرمي قبل تاريخ صدوره،بمعنى أنه جاء مرناً جدّاً، وتغاضى عن الكثير من الأفعال رغم وصفها الجرمي الخطير والكارثي، وهذا يظهر لنا عطف السيد الرئيس العقلانيّ والاتزانيّ بشكلٍ جليّ وهو يميط غبار الشكوك، ويقطع الطّريق على مقتنصي فرص الاستهداف الممنهج، من خلال سدّ ثغرة قد يسعى البعض للنفاذ من خلالها لحياكة الدسائس وزرع بذور المناورة الغبيّة.
بكل الأحوال إن هذا المنجز الوطني، يؤكد أن الدولة السورية المنتصرة بالحرب، تصر على نهج واضح ينطلق من أساس قانوني،كون المصالحات التي تمت بشكل إداري وميداني بحاجة إلى إطار قانوني لتكون في مسارها الصحيح، وهو أيضاً يمثل صندوق رسائل،تحاكي جملة التطلعات المشروعة بإنهاء الحرب والمسير نحو مرحلة العمل، بل أيضاً في الدلالة السياسية،والتي تنطوي عليها حين أملت وبكل وضوح معطياتها لتكون تدشيناً لمرحلة لها معانيها وأهدافها.
حديث الناس -اسماعيل جرادات