يصر الاتحاد الأوروبي على اجترار مواقفه التي أصبحت من الماضي عندما يتحدث عن لاءاته وخطوطه الحمراء لإعادة علاقاته الدبلوماسية مع سورية أو المشاركة في إعادة الإعمار ورفع حصاره غير الشرعي ضد الشعب السوري الذي ينخرط فيه مع الولايات المتحدة الأمريكية.
نعلم جيداً أن قرار “الاتحاد الأوروبي” السياسي ليس في بروكسل، بل هو في واشنطن وتاريخ الاتحاد يشهد على ذلك، بدءاً بموقفه من القضية الفلسطينية ومروراً بموقفه من سورية وأخيراً أوكرانيا، والكل يعلم أن “جوقة” الاتحاد الأوروبي تتحرك وتعزف مع عصا الكاوبوي الأمريكي الذي يأمر وينهي وما على أوروبا إلاّ السمع والطاعة.
أذكر أنني في إحدى الزيارات إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2008- 2009 وجهت سؤالاً للسيدة كريستينا غالاش، الناطق باسم المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي آنذاك.. إلى متى سيبقى الاتحاد الأوروبي يسير في ظل الولايات المتحدة الأمريكية؟ بمعنى آخر متى سيكون للاتحاد قراره المستقل بعيداً عن التبعية لواشنطن حيال قضايا الشرق الأوسط ومنها فلسطين؟ فما كان من غالاش إلاّ أن “احتدّت” وكررت على مسامع الإعلاميين حجم المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لإعادة إعمار ما دمره العدوان في قطاع غزة، وكان أن عقبت بأن التعامل مع نتائج العدوان فقط يحول الاتحاد إلى “جمعية خيرية” تقدم المساعدات لإعادة الإعمار على مدى سنوات ليقوم الاحتلال في يوم واحد بتدمير كل ما تم تقديمه.
هذه الإعادة يستدعيها موقف الاتحاد الأوروبي هذه الأيام من عقد مؤتمر المانحين في بروكسل حول سورية في ظل استبعاد صاحب القضية سورية وداعمها الأساسي روسيا، واستمراره بنفس سياسة التبعية للأمريكي والانفصام عن الواقع وإنكار المتغيرات الميدانية والسياسية التي حصلت منذ أن بدأ الاتحاد تنظيم هذه اللقاءات عام 2017.
أعتقد لو أن الاتحاد الأوروبي جاد في لعب دورٍ إيجابي في مساعدة السوريين على إنهاء الحرب وإعادة الإعمار، فعليه أن يعيد النظر في مواقفه وسياساته وأن يبتعد بضع خطوات عن الظل الأمريكي لكي يستطيع أن يفكر باستقلالية نوعاً ما فيما يخدم مصالحه من جهة وفي اتخاذ قرارات ومواقف قابلة للنجاح من جهة ثانية. لكن للأمانة يبدو أن الاتحاد الأوروبي لم يتعلم من أخطائه في السير خلف الأمريكي، والدليل أنه قام بفرض عقوبات قاسية ضد روسيا بطلب من واشنطن رغم علمه اليقين أن ذلك بمثابة انتحار اقتصادي للدول الأوروبية.
أن يشترط الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على سورية تغيير سلوكها لتغيير مواقفه، لهو نوع من دفن الرأس في الرمال، لأن المطلوب أن يغيّر الاتحاد سلوكه تجاه سورية وليس العكس، فسورية تجاوزت لاءات الاتحاد وخطوطه الحمراء، وبدل أن يتشدق الاتحاد الأوروبي بالأموال التي قدمها للسوريين في دول اللجوء، كان عليه فقط ألّا يتدخل في الشأن الداخلي السوري وألّا يدعم الإرهابيين، ليوفر على نفسه الـ 27 مليار يورو التي يتحدث عن دفعها للسوريين منذ عام 2011.
في أوكرانيا، كان يمكن للاتحاد الأوروبي أن يلعب دوراً إيجابياً في ملاقاة موسكو في وسط الطريق وتقديم الضمانات الأمنية التي تحقق الأمن للجميع، وبدل أن ينفق مليارات اليوروهات اليوم لتقديم السلاح لأوكرانيا على حساب المواطن الأوروبي كان يمكن أن ينفقها لاستمرار رفاه المواطن الأوروبي، لكنه دائماً يقف على الجانب الخاطئ، جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
ما تحدث به بوريل عن “خطوطه الحمراء” الثلاثة، يبدو أنه رسمها لتطويق الاتحاد نفسه، ومؤتمر بروكسل لا قيمة له لأن سورية لن تنتظر حتى يغير الاتحاد موقفه، فعملية إعادة الإعمار بدأت رغم أن الحرب على الإرهاب لم تنتهِ بعد.