الثورة – أديب مخزوم:
في معرضها الفردي الأول، الذي افتتح في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة، عرفتنا الفنانة نهى زيود على تقنية جديدة تستخدمها في الرسم والتشكيل الزخرفي، وهي ” تقنية الماندالا والتنقيط ” ولقد تضمن معرضها، مجموعة لوحات بقياسات مختلفة، جسدت من خلالها الطبيعة والعناصر الانسانية والطيور والزهور وغيرها، ضمن صياغة زخرفية هندسية دقيقة، تتبع في أكثر الأحيان حركات الدوائر ، وهذا الفن كما قالت ينتشر في عدة بلدان ، وخاصة في الهند ومنطقة التيبت.
وعلى الصعيد التشكيلي والنقدي تأتي هذه الأعمال بطريقة مغايرة لمعظم التقنيات المألوفة والمتداولة في سورية، والتي تتجه في غالبيتها لإبراز اللمسات اللونية التلقائية والعفوية، القادمة إلينا من تقنيات فنون العصر، لما بعد الانطباعية الفرنسية، فنهى زيود لاتنتمي لأي مدرسة فنية حديثة، فهي خارج التصنيفات النقدية، كونها تسير في إطار وهاجس واحد، هو إعطاء أهمية للتشكيل الزخرفي ( الذي يتوسطه شيء من الواقع كالطائر أو الزهرة ..) فالشكل المستمد من الواقع يبدو في لوحاتها محاطاً دائماً بنظام زخرفي موزون ومدروس، ولا أثر فيه للمسة العفوية، التي تعمل دائماً على تجنبها، رغم أن أشكالها ليست واقعية، وليست تنقيطية حسب المفهوم الغربي الدقيق، وعلى هذا فأعمالها تتميز بمناخية خاصة ، غير مألوفة وغير معروفة في صالاتنا ومعارضنا .
وهي في ذلك تبتعد عن تقليدية الأداء التقني المتداول، وتتجه نحو مظهر الاستفادة من معطيات الفنون الزخرفية وألوانها القزحية، في تعاطيها مع اللمسة الدقيقة، كمدخل للكشف عن عوالم الإشراق اللوني والضوئي والإبهار البصري، واظهار قدرتها على ملاحقة أدق التفاصيل الزخرفية الهندسية، للوصول إلى اللوحة الفنية، في تجلياتها المغايرة للمألوف، وهذا المظهر العقلاني الصارم في التعاطي مع اللمسة والتنقيط اللوني ، تتخذه كمدخل لبناء لوحة خاصة ، مستمدة من تدرجات ألوان قوس القزح .
هكذا يمكن أن تشكل لوحات نهى زيود، بمعناها البصري كلون وضوء وزخرفة هندسية ونمنمة تنقيطية، مدخلا لرؤية خصوصيات هذه التقنية على الصعيدين التكويني والتلويني، عبر مشاهد الطبيعة وتنويعات الزهور والطيور والعناصر الإنسانية، وهي لوحات تحقق السعادة لاحتوائها على فرح وبهجة وإشراق اللون الصريح المشبع بالضوء.
وفي لوحات الطبيعة، يبدو المشهد في أحيان كثيرة كأنه ربيعي، وتبدو الزخارف والنقاط قريبة من أشكال الزهور . كما أن أجواء لوحاتها، تتغير تبعاً لحالتها النفسية ، التي لابد أن تترك أثراً على إشراقة اللون، ودرجة توضعه على سطح اللوحة.
وتدعو لوحاتها في كل تحولاتها للتفاؤل والفرح والبهجة، وتبدو وكأنها محاولة للانفلات من قلق حياتنا الراهنة، وسوداوية واقعنا المأساوي، في أزمنة الحروب المستمرة في عمق حياتنا اليومية، دون توقف أو انقطاع . إنها محاولة للخروج من شرنقة الأحزان التي تعترينا في كل لحظة، وبذات الوقت محاولة لنشر الفرح في أعين المشاهدين، في أزمنة الهجرات والحروب والويلات المتعاقبة.
فالفسحات اللونية المشرقة تغطي الجزء الأكبر من لوحاتها ، من خلال تقنية الماندالا ، التي كانت، ولا تزال تدفعها، وتحرضها على مزاولة الرسم والعرض، حتى في الأزمنة المضطربة والمتوترة والمغمورة بالأحزان والتطلعات الشاحبة ، على اعتبار أن الفن يتعزز دوره في الأزمنة الصعبة.
حيث تعمل دون كلل أو ملل وبصبر وجلد طويل لإبراز التعبير الزخرفي الدقيق الأقرب إلى فن المنمنمات، من خلال الخطوط الهندسية الصارمة. وهكذا تجنح لوحاتها نحو الألوان المبهجة وإيقاعاتها المقروءة بالعين . كل ذلك في خطوات الوصول إلى موسيقى وترية اللون ، المعبر في حركته الإيقاعية عن موسيقا الزخرفة والمشاعر الداخلية، بحيث تبدو اللوحة المرسومة هنا، كأنها مقطوعة موسيقية بصرية مسموعة بالعين، قائمة على موسيقا وترية اللون وحركته الإيقاعية، المندمجة مع كل ألوان الفرح والبهجة والإشراق الضوئي.
السابق