الثورة- أديب مخزوم:
تمر في 21-5-2022 الذكرى السنوية الخامسة لرحيل فنان الطفولة المبدع أمجد الغازي، أحد أبرز وأقوى الفنانين، الذين أغنوا مجلات أسامة والطليعي وشامة ، وبعض المجلات الطفولية العربية ( أحمد وماجد ) بأروع الرسومات، على مدى عقود، بعد أن أضحى الرسم الطفولي، رفيقه الوحيد، وسعادته المطلقة، زاهداً بكل شيء ، ومكرساً سنوات عمره لعمله الفني الذي أخلص له ، ولم ينقطع عنه، حتى في أصعب حالاته المرضية ، وكانت اليونسيف قد اختارته لوضع رسوم كتابها (الطفل في عامه الأول) كما رسم عدة كتب لوزارة التربية، إضافة لرسومات الكتب والمجلات الصادرة في أماكن أخرى .
والراحل المبدع أمجد الغازي كان يفيض في لوحاته دهشة وسحراً وحيوية فياضة، وكان يضفي على فسحة رسوماته الطفولية، إيقاعات ضوئية باهرة، من خلال المحافظة على خطه الأسلوبي الساحر، على الصعيدين التكويني والتلويني.
فهو من المبدعين القلائل الذين استطاعوا تجاوز الأنماط المألوفة والمستهلكة في اللوحة الطفولية، ويمكن أعتباره أحد أقوى الفنانين في هذا المجال، ليس في سورية فحسب، وإنما على الصعيد العربي، وحيوية موهبته وتفردها وتميزها وليونة خطوطه ورشاقة أشكاله وخفتها، تؤكد ذلك، ولقد أظهر أسلوبية خاصة في صياغة العناصر والأشكال ، عبر انطباعات رؤيوية أفسحت المجال لرؤية المشهد الطفولي خارج حدود الصياغة المستهلكة والمألوفة، في الرسم البانورامي القصصي الموجه للأطفال ، حتى إن رسوماته الساحرة تمتلك قدرة مطلقة على إثارة انتباه وإعجاب الصغار والكبار معاً.
والفنان الراحل ( من مواليد دير الزور 1964) وكان منذ طفولته الأولى يمضي أوقاتاً طويلة في الرسم، وخلال وبعد فترة دراسته في كلية الفنون الجميلة في دمشق (التي تخرج منها عام 1997) اكتشف أسرار تقنيات فن الرسم القصصي “كوميكس” وكان يتعامل مع اللمسة الماهرة والنسب والظلال كعناصر أساسية في التأليف والتكوين، وهكذا تكرس اسمه، في الرسم الطفولي، وأظهر براعة أدائية ملفتة، وحضوراً قوياً، ويمكن اعتبار خطوطه وألوانه، التي جسد من خلالها عناصره الطفولية، متطورة ومتقدمة وراقية جداً وخاصة به، وتمنح المشهد فيض أحاسيسه ومشاعره العميقة.
ولقد برزت في بعض لوحاته الواقعية الطفولية، التي قدمها خلال مسيرته الفنية ، بعض الخطوط المستقيمة والتشكيلات الهندسية . في وقت ذهب فيه غالبية رسامي الأطفال عندنا نحو الأنماط المستهلكة والتحوير، والاستفادة من معطيات اللوحة الغربية، وبالتالي كان يضع الخط واللمسة العفوية التي تحرك الألوان والظلال والأضواء، بكل صدق ومحبة ، وكان يمنح أشكاله المرسومة حيوية خطية ولونية خاصة ومتجددة.
هكذا شكل رحيله المبكر خسارة كبيرة للرسم الموجه للأطفال، فهو فنان متمكن في مجاله ، ولم يأخذ شيئاً من حقه، لسبب بسيط هو أن فنون الأطفال عندنا لا تزال دون الاهتمام، رغم وجود مديرية لثقافة الطفل في وزارة الثقافة، مع العلم أن هذا الفن الراقي جداً، يأتي في المقدمة في الدول الراقية، لأن الذين يمتلكون موهبة الرسم الطفولي قلائل جداً .
فقلة أو ندرة العاملين في مجال الرسم الموجه إلى الأطفال تؤكد هذه الحقيقة، من منطلق أن رسام الأطفال يحتاج على الأقل إلى موهبة استثنائية وقدرة على التحكم بخط الرسم، في خطوات تجسيد الحركة الحية النابضة التي تثير انتباه الطفل، وتعمل على تحريك مشاعره وأحاسيسه المرهفة والشفافة، وهذه الخصائص المرتبطة بموهبة أصيلة كانت متوفرة لدى فناننا الراحل أمجد ، وفي المقابل الموهبة غير متوفرة عند عدد كبير من العاملين عندنا في مجال إنتاج وعرض اللوحة الفنية التشكيلية والمنحوتة والمحفورة .
التالي