ليس من الحكمة التحليلية تجاهل ذلك التزامن، بين زيارة الرئيس الأسد إلى طهران، وبين إعلان القناة 13 العبرية، عن إطلاق صاروخ “إس 300” تجاه طائراتها المغيرة على سورية، وحتى هذه اللحظة لاتوجد رواية سورية أو روسية عن هذا الاستهداف، إنّما هي حصراً رواية “إسرائيلية” تجزم بأنّ الروس هم الفاعلون، وهذه رواية لا يمكن تأكيدها من مصادر مغايرة، طالما التزم المعنيون بالتوضيح الصمت.
ولكن رغم ذلك فإنّ للرواية “الإسرائيلية” عدة أوجه، ولنفترض بناءً على ذلك صحتها، وعليه فإنّ الوجه الأول هو أنّ الكيان المؤقت، تأكد أنّ القوات الروسية هي من أطلقت الصاروخ، وبالتالي فهذا يُغيّر قواعد الاشتباك على شكلٍ كليٍ في الأجواء السورية، كما أنّه يرتب التزامات عليه تجاه روسيا، وتقديم بعض المصالح الروسية في الملف الأوكراني.
أمّا الوجه الآخر، فهو أن يكون الكيان المؤقت غير واثقٍ من الجهة التي أطلقت الصاروخ، حيث إنّ إعلاء احتمالية الجهة الروسية، يظل الاحتمال الأسهل بالنسبة للكيان، حيث يمكن التعامل مع الأمر بطرقٍ شتّى وتقديم بعض التنازلات، أما احتمالية أن يكون الجيش العربي السوري، فهو احتمالٌ يقلب كل المعادلات، ويجعل من المسألة غير قابلةٍ للحل، حيث تتعدى حينها فكرة مجرد الرسالة، وهي ستكون بمثابة جرس إنذارٍ كبير، يؤذن بمرحلةٍ مختلفةٍ كلياً.
وهناك وجهٌ ثالث قد يفكر فيه العدو، حيث أنّ ما يتم تداوله من معلوماتٍ غير رسمية، أنّ زيارة الرئيس الأسد إلى طهران، ناقشت على جدول أولوياتها، حماية الأجواء السورية، وبالتالي فهي خطوة ذات رسائل في اتجاهين، للكيان المؤقت في الاتجاه الأول، ولروسيا في الاتجاه الثاني، حيث يعتبر الكيان أنّ هناك صراعاً إيرانياً – روسياً في سورية، وهذا ما يجعله يفسر أنّ زيارة طهران هي للضغط على موسكو، وهو ما دفع موسكو لتقديم هديةٍ لسورية بصاروخ أس 300.
ولكن الحقيقة هي أنّه مهما كانت الاحتمالات والأوجه، فإنّها لا تصبّ في صالح الكيان المؤقت، خصوصاً إذا وضع في عين الاعتبار تصريحات السيد حسن نصر الله، تجاه مسألة الردّ السريع والمباشر، وهو ما يجعل الصورة أكثر تكامليةً في ذهن العدو شديد التوجس، بالذات في هذا التوقيت، الذي يحاول فيه تجنّب أيّ تصعيدٍ، من شأنّه أن يتحول لحربٍ إقليمية.
ولو نلاحظ في هذا السياق مثلاً كيف بات العدو بين خيارين أحلاهما مرّ، إمّا الإقدام على اغتيال بعض القيادات الفلسطينية، وبالتالي تحمل كل التبعات المتوقعة وغير المتوقعة، بكل ما تحمل من مخاطر استراتيجية أو حتى وجودية، وإمّا الاكتفاء بالجعجعة بلا طحين، بكل ما يشكل ذلك من تهشيمٍ لصورة القوة القادرة، واستبدالها بصورة الأيدي المرتعشة والأعين الخائبة.
وإنّ هذا التحجيم إن تبعه إغلاق الأجواء السورية أمام أيّ عدوانٍ صهيوني، سيجعل من الكيان المؤقت عالةً على مشغليه أولاً، وآيل للتآكل من الداخل ثانياً، رغم أنّ التآكل بدأ بالنخر سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، وكل ذلك سيجعل من العدوان المقبل اختباراً قاسياً.