حين ضاقت بلاد العرب بالشاعر العربي الكبير محمد الجواهري لم تكن غير الشام ملاذاً له، فقال عنها في قصيدته الشهيرة (شممت تربك): وسرت قصدك لا كالمشتهي بلداً لكن كمن يتشهى وجه من عشقا.
والأمر نفسه مع الشاعر مظفر النواب الذي أعياه الحل والترحال وكان الخطر يتربص به من كل حدب وصوب، ففتحت دمشق له أبوابها السبعة وكان مطمئن البال أنه هنا في القلب والوجدان وبادل الشام وفاء بوفاء وهو صاحب المقولة: الشام لا تقبل القسمة على اثنين..
وهو الذي قال أيضاً: دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة، وإن أضعت طريق الجامع الأموي، ستدلك عليه ” كنيسة السيدة “.
نعم .. دمشق كانت دائماً وأبداً موطن الإبداع وملاذ المبدعين من الوطن العربي كله، لم تضق يوماً بأحد منهم، صروحها الثقافية كانت وستبقى منابر للجميع ..
دمشق التي قال فيها المبدعون ما قالوه تستحق منا أن نبقى أوفياء لوفائها لعهدها لكل ما قدمته وتقدمه، فهي امتداد الروح وخفقة الفؤاد، الملاذ الأول والأخير لكل من دخلها أو عاش فيها … كيف لا وكل الدروب منها وإليها تفيض ألقاً وزرعاً وحباً وجمالاً .
رحل مظفر النواب جسداً لكن إبداعه سيظل حاضراً في أروقة دمشق ومكاتبها ومنابرها فهي التي أعطته مكاناً وحباً فأعطاها شعراً ووفاء وجمالاً.