منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، يحاول أردوغان تلمس الفرص كوصوليٍّ عتيق، وهو بطبعه يمتاز بالوقاحة والاستغلالية، وحاول أن يقف في المنتصف، حتى يُتاح له اقتناص أيّ فرصة، ومن أهم تلك الفرص التي كان في انتظارها، هي التأثيرات المحتملة في الملف السوري، ولكن النصر الروسي المحسوم في أوكرانيا، لن يمنحه ما يريد، ولكن أمدّ الحرب وتطوراتها، يجعل من الفرص مسألة واردة.
وقد جاءت إحدى تلك الفرص، حين أعلنت كلٌ من السويد وفنلندا، الرغبة بالانضمام إلى الحلف الأطلسي، وبعيداً عن الأسباب التركية الخالصة لإعلان تركيا رفض هذه الخطوة، فإنّ أردوغان يعتقد أنّ هذا الرفض بحاجة لثمنٍ تدفعه روسيا، أو ثمنٍ تدفعه الولايات المتحدة، وهي أثمان متعددة، أثمنها ما سيصب في خانة مصالحه في سورية حسب تصوراته، لذلك كان الإعلان عن عمليةٍ في الشمال السوري، تحت مبررات محاربة الإرهاب، وهو حلمٌ أردوغانيٍ قديم، بإنشاء ما يسمى بـ”المنطقة الآمنة”، وهي بعمق ما يقارب الثلاثين كيلو متراً في عمق الأراضي السورية.
وبالتالي يصبح الصمت الروسي عن هذه الخطوة، هو الثمن المقبوض عن رفض عضوية كل من السويد وفنلندا في حلف”الناتو”، ولكن هذا الثمن ليس باستطاعة أردوغان الحصول عليه، دون ضوء أمريكيٍ أخضر، حيث أنّ المستهدف هم مخالب الولايات المتحدة فيما يسمى”قسد”، وهو ما يتعارض مع الرغبة الأمريكية بالعضويتين السويدية والفنلندية في”الناتو”، أو لو افترضنا العكس، بتراجعه عن رفض تلك العضوية، مقابل تخلي الأمريكيين عن”قسد”، يصبح بحاجةٍ لثمنٍ آخر للروس والإيرانيين معاً، أمّا السوريون فهم الأكثر استفادةً أينما ذهب أردوغان.
وكنت من القائلين قديماً ومنذ اندلاع ما يسمى بـ”الثورة” السورية، إنّ مسار الأحداث والبيئة الاستراتيجية، تجعل ألدّ أعداء سورية يعملون في خدمتها، قسراً أو اختياراً، لأنّ الخيارات محدودة وشديدة الضيق، وهذا ينطبق على الخطوة الأردوغانية، حيث أنّ تنفيذ أردوغان تهديداته بالقضاء على”قسد” وما يسمى بـ”الإدارة الذاتية” يصب في مصلحة الدولة السورية، شاء أردوغان أم أبى، كذلك تراجعه عن تنفيذ تهديده بغض النظر عن الأسباب أو الصفقات، سيكون لصالح الدولة السورية، وكذلك شاء أردوغان أم أبى.
ففي حال قضاء أردوغان على”قسد”، وهو بالطبع عملٌ مرفوض من قِبل سورية قيادة وحكومة وشعباً، كما أنّه عملٌ منافٍ لكل الأعراف والقوانين الدولية، وعليه ستصبح القوات التركية قوات احتلال، وعليه سيكون استهدافها بغية إخراجها عملاً مشروعاً، وبالتالي سيكون الخروج الآمن هو أقصى الطموحات التركية.
أيّ أنّ سورية تحتفظ لنفسها بكل حقوقها القانونية والشرعية والعرفية، من خلال رفضها لكل سلوكيات أعدائها، رغم أنّ سلوكياتهم تصبّ في صالحها رغماً عن أنوفهم.
وعليه فإنّ تنفيذ أردوغان لتهديداته، يتطلب دفع أثمان شديدة التناقض، وهو ما يصعب عليه تحقيقه، ولكن هذا التلويح الذي يمارسه أردوغان، هو شيء يتماشى تماماً مع استراتيجية الفم الكبير، التي يتبعها أردوغان منذ وصوله للسلطة، بل إنّه لا يتقن سواها، حيث الجعجعات الكبرى، علّ وعسى تسارع الأطراف لشراء سكوته.
وما علينا سوى الانتظار حتى يوم الخميس المقبل، موعد اجتماع أردوغان بمجلس أمنه القومي، حيث سيقرر إمّا تنفيذ التهديد أو إرجاءه أو تعليقه، حينها سنعرف ماذا دفع وماذا قبض، وما على السوريين سوى انتظار أيّ الحسنيين.
حدث وتعليق -إيهاب زكي- كاتب فلسطيني