الثورة – دينا الحمد:
كثيرون منا لا يعلمون أنه بدماء الشهداء الذين سقطوا بالعدوان على مجلس النواب السوري من قبل المحتل الفرنسي في 29 أيار 1945 كتبت المادة 78 من ميثاق الأمم المتحدة، وأن هناك رابطاً بين حادثة الاعتداء الفرنسي المذكورة على مبنى المجلس النيابي وحاميته بذاك التاريخ من جهة، وبين الجهود التي بذلها الوفد السوري المشارك في كتابة ميثاق منظمة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو من جهة أخرى، وهو رابط مهم جداً يجب أن يعرفه السوريون والعرب والعالم أجمع.
وفي هذا الإطار كتب الدكتور بشار الجعفري نائب وزير الخارجية على صفحة الرابطة السورية للأمم المتحدة عن الرابط بين العدوان الفرنسي وبين كتابة المادة 78 من ميثاق الأمم المتحدة قائلاً: إن الدكتور جورج رئيس الربطة كان أول
من سلط الضوء على هذا الربط وبحث ونقب في أرشيف مجلس الشعب لإثبات صحته من خلال كلمة فارس الخوري أمام المجلس النيابي بعد عودته من أمريكا، وأن علينا جميعاً أن نعرف هذه المعلومة الهامة.
وقد رسم شهداء التاسع والعشرين من أيار عام 1945 دروب النصر الكبير على المحتل الفرنسي وهم يقاومون دباباته وطائراته بصدورهم العارية وأسلحتهم الخفيفة، ولقنوا جنوده ومرتزقته دروساً عظيمة بالمقاومة.
فبات هذا اليوم من أيار يوماً خالداً في ذاكرة شعبنا، واتخذته قوى الأمن الداخلي في سورية عيداً لها استذكاراً للقيم النبيلة والوقفة البطولية التي جسدها أبطال حامية البرلمان في ذلك العام باستشهادهم في سبيل حرية واستقلال وطنهم رافضين أوامر المستعمر الفرنسي في أداء تحية علمه.
وتعود قصة ذاك اليوم الخالد حين وجه الجنرال الفرنسي المحتل إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري يطلب فيه أن تقوم قوات الشرطة والدرك بأداء التحية للعلم الفرنسي بواجهة المجلس إلا أن الإنذار رفض وتم الإيعاز إلى قائد الدرك العام بعدم الاستجابة لهذا الإنذار، وبدورها رفضت حامية البرلمان أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية الذي يقع مقابل مبنى المجلس بعد أن تلقى قائدهم مفوض الشرطة سعيد القهوجي أمراً بالرفض من رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة حامية البرلمان مستخدمين الأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات.
ودوى صوت القنابل والرصاص وهي تنطلق من دار الأركان الفرنسية تجاه البرلمان وشرعت حامية البرلمان بمقاومة ضارية لوقف تقدم القوات الفرنسية رافضين الاستسلام معتمدين على أسلحتهم المتواضعة ومتسلحين بالإيمان وقوة الانتماء وحب الوطن فكتبوا بدمائهم الزكية عزة وطنهم وكرامته، واستشهد ثمانية وعشرون من المدافعين وبقي اثنان من عناصر أمن المجلس وهما شهير الشراباتي وإحسان بهاء الدين اللذان استطاعا النجاة من الموت المحقق بأعجوبة إضافة إلى الشرطيين إبراهيم الشلاح ومحمد مدور اللذين تظاهرا بالموت بعد أن رميا نفسيهما بين القتلى ليصبحا الشهيدين الحيين.