أسئلة تتسرب حول مدى الالتزام بحماية الأطفال من أن يحرموا من حقوقهم الأساسية في الحياة، والتي يجب أن يتمتعوا بها، وأولها ببساطة حمايتهم من ظاهرة العمالة المبكرة التي تغتال طفولتهم بقسوة، ودون رحمة.. والخيوط تتشابك بين ما هو قائم على أرض الواقع، والذي ينذر بانضمام ملايين الأطفال الجدد إلى سوق العمالة المبكرة بعد تفشي هذه الظاهرة، وبين آليات تطبيق اللوائح الدولية التي تنص بنودها على عدد ليس بقليل من الحقوق الملزمة للدول، وما يدعمها من استراتيجيات وطنية تضعها هذه الدول لتحمي مجتمعاتها من الظواهر الشاذة، وتتصدى للانتهاكات التي تحصل عندما تجبر الأسر أبناءها على العمل.
وعندما يغيب الضوء من حياة الأطفال الذين انخرطوا في سوق العمل، وقست عليهم الأقدار في أوضاع كهذه، فإن الإضاءة حول هذا الواقع تصبح وسيلة للتنبيه، وإنذاراً بخطر قائم يتسع، ويتمدد، ويتطلب معه جهوداً فردية تستدعيها الضرورة لأن تنهض هي الأخرى بدورها في مساعدة للجهود المؤسساتية التي تنفق لأجل تصحيح أوضاع هؤلاء الأطفال، ودفعها في مسارها الصحيح الذي يوصل بدوره إلى النتائج الصحيحة، وهدم أسوار أحكمت طوقها حول الصغار.
كثير من أطفال العالم تقهرهم ظروفهم الخاصة فإذا بهم يدخلون عالم الكبار وهم لا يزالون صغاراً، وإذا بهم أيضاً يعملون فيحرمون من التعليم، كما يحرمون من التمتع بطفولتهم بمرحها، وألعابها وهي حقهم الطبيعي.. وقد يتعرضون للأذى، والمخاطر.
واقع قائم تتسبب به مشكلة اجتماعية خطيرة يعيشه أطفال في بقاع مختلفة من العالم، في بلدان نامية، أو متطورة لا فرق، ساهمت جائحة كورونا في تفاقمه.. والأسباب الحقيقية وراء هذا الواقع كثيرة، وليس أولها اضطراب الأوضاع العائلية، أو الفقر، وسوء الحال، أو الجهل، وغياب التعليم، ولا آخرها سوء توزيع الثروة، وإغفال هذه الشريحة الهامة من المجتمع التي يمكن إنقاذها في الأوقات المناسبة بحيث تعود إلى الطريق الصحيحة بخطى قوية، وثابتة مستفيدة من تلك التجارب المريرة التي مرت بها.
والمهم أن هؤلاء الأطفال يشعرون بالحرمان، ويحاولون التخلص من أخطاء واقعهم الذي قد يتعرضون من خلاله أحياناً للانحراف مما يستدعي معه العلاج للإصلاح من شأنهم، وهو ممكن على أي حال، وليس مستحيلاً، والحلول جاهزة لدى أصحاب الشأن من الدول، والحكومات لكن الطريق إليها تستدعي وعياً أسرياً في المقام الأول.
فالولد الذي لا يجد أمامه سوى العمل لينقذ أسرة فقدت الأب، وفيها من الإخوة مَنْ هم أصغر لابد أن يجد في وطنه جهات تتنبه إلى حالته الخاصة هذه فتبادر إلى خلق واقعٍ أفضل.. واقع هو ما يجب أن يكون قائماً ليعود به إلى عوالم الطفولة، وليضفي اللون الزاهي إلى قتامة تلك الأجواء.
أطفال يعملون.. محرومين من التعليم.. ومن التمتع بطفولتهم بمرحها، وألعابها، وهي حقهم الطبيعي.. وقد يتعرضون للأذى، والمخاطر من الاستغلال بأنواعه المتعددة.. ويكفي أنهم يشعرون بهذا الحرمان.. ويحاولون التخلص من واقعهم.. وليس الأمر صعباً أو مستحيلاً.. بل إن الانتباه الى هذه الفئات من الأطفال كفيل بأن يصحح المسار.. وأن يرفع قسوة الأقدار.
إضاءة صغيرة حول مشكلة كبيرة أبثها في سطور قليلة ستتبعها إضاءات تهدف إلى نفي واقع قاتم يرفضه ضمير المجتمع في مسرح صغير للحياة.. أبطاله من الصغار.. يعملون كالكبار.. وما لهم إلا الفتات.. من موائد الطفولة.. وأفراحها المأمولة.. ومن حق العيش الرغيد.. في ظل الأسرة السعيد.