الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
بينما تحث حكومة بوريس جونسون على اتخاذ إجراءات دولية لرفع قضية روسيا إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن أوكرانيا، يفلت مسؤولوها من المساءلة عن تواطؤهم في انتهاكات القانون الإنساني الدولي.
فقد أعلنت حكومة المملكة المتحدة أنها حشدت الحلفاء لإحالة “الفظائع” في أوكرانيا إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، و”الإسراع في تحقيق المحكمة الجنائية الدولية”.
كانت انتهاكات القانون الدولي الإنساني، ولاسيما القتل العشوائي أو حتى المتعمد وتشويه المدنيين، سمة معتادة من سمات النزاعات المسلحة في العقود الأخيرة وهي من أكثر سمات النظام الدولي فظاعة على حساب الاستقرار العالمي والتعددية، لا يتم تجاهل الانتهاكات فحسب، بل يتم قبولها وتبريرها من قبل بعض أقوى دول العالم، لاسيما تلك التي تصدر الأسلحة إلى مناطق الصراع.
يعاني المدنيون في سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة واليمن منذ سنوات عديدة من أهوال الإفلات من العقاب على جرائم الحرب بأسلحة صنعت في أوروبا والولايات المتحدة.
المملكة المتحدة، إلى جانب عدد من الدول الأوروبية الأخرى، متواطئة في انتهاكات القانون الدولي الإنساني في حرب اليمن، التي دخلت عامها الثامن، على الرغم من وجود هدنة مؤقتة في الوقت الحالي.
وبالرغم من التحذيرات من المراحل الأولى للحرب من حدوث انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، استمرت صادرات الأسلحة من المملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا إلى التحالف الذي تقوده السعودية.
بعض هذه الدول لديها تراخيص تصدير أسلحة محدودة للتحالف. لكن المملكة المتحدة تتميز بتصميمها الذي لا مثيل له على الحفاظ على صادرات الأسلحة في مواجهة العديد من التحديات القانونية والسياسية والأخلاقية، فمنذ بدء الحرب في اليمن في عام 2015 ، صدّرت ما قيمته 23 مليار جنيه إسترليني من الأسلحة إلى التحالف.
في عام 2019 ، قدم تحالف من الجماعات الأوروبية واليمنية، بما في ذلك الحملة ضد تجارة الأسلحة (CAAT) ، مذكرة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتم طلب إجراء التحقيق مع المسؤولين الحكوميين الأوروبيين والمديرين التنفيذيين في شركات الأسلحة لاحتمال تقديم المساعدة بما يخص جرائم الحرب في اليمن.
قام فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة المعني باليمن وكذلك العديد من المنظمات غير الحكومية اليمنية والأجنبية بتوثيق مئات الحالات من هجمات محددة.
كانت هذه الهجمات ضد المناطق السكنية والمدارس والمستشفيات والمنشآت الزراعية والأسواق والتجمعات مثل الأعراس والجنازات والمصانع المدنية، وقتل عشرات المدنيين، ولم يظهر فيها أي هدف عسكري بالقرب من المكان، فالهجمات هي انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
لا يوجد طريق قضائي واضح لمحاكمة الجناة المباشرين لجرائم الحرب المحتملة التي ارتكبها التحالف في هذا الوقت، حيث لا اليمن ولا أعضاء التحالف السعودي طرف في المحكمة الجنائية الدولية.
يعد توريد الأسلحة للنزاع اليمني مثالاً صارخاً على عدم الامتثال للقانون الدولي والإقليمي والوطني للرقابة على الصادرات. تتعارض هذه الصادرات مع أحكام معاهدة تجارة الأسلحة والموقف الموحد للاتحاد الأوروبي والقوانين المحلية في المملكة المتحدة.
ستشكل متابعة المساءلة عن الجرائم المرتكبة في اليمن خطوة نحو سد فجوة إفلات الشركات من العقاب.
من المهم التأكيد على أن المحكمة الجنائية الدولية ضرورية عندما لا تكون الآليات الوطنية، مثل التحقيقات والمحاكمات، كافية لتحقيق العدالة. قدمت CAAT لأول مرة طلباً لمراجعة قضائية لقرارات ترخيص تصدير الأسلحة الحكومية في عام 2016.
وقد حددت محكمة بريطانية نهج الحكومة في اتخاذ قرار بشأن تراخيص التصدير إلى التحالف على أنه “غير منطقي وبالتالي غير قانوني” ، لأنه فشل في تقييم سجل الانتهاكات السابقة للقانون الدولي الإنساني.
تعني النتائج التي توصلت إليها المحكمة أن شركات الأسلحة البريطانية كانت على علم بأن الحكومة كانت تصدر تراخيص بشكل غير قانوني، لكنها استمرت في التصدير إلى التحالف بناءً على التراخيص الحالية دون قيود.
يمكن توجيه العديد من الانتقادات المبررة إلى المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك محدودية مواردها وسلطتها، والتمييز الإقليمي الواضح والتأثير السياسي الذي يؤثر على القضايا التي تفتح المحكمة تحقيقات فيها.
ومع ذلك، في مواجهة العديد من الفظائع على مستوى العالم، لا يمكننا أن نتقاعس عن سبل تحقيق العدالة، تُظهر الدعوى القانونية التي رفعتها CAAT ضد حكومة بريطانيا أن الحكومات الغربية ستبذل قصارى جهدها لتجاهل وإنكار تواطئها في جرائم الحرب.
يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تقدم بعض الخطوات نحو المساءلة عن جرائم الحرب، لكن سلامتها تعتمد على ملاحقة متكافئة للجناة، وهي ملاحقة لا تستبعد الحلفاء السياسيين للدول الغربية القوية، أو الدول الأوروبية نفسها بشكل حاسم.
المصدر: Global Research