إلى الشرق، أوفدت شابة لمتابعة تحصيلها الجامعي العالي، تحلم أن تستطيع الإسهام في نقل تجربة الصين في البناء الاقتصادي والتنموي والعلمي ، تحمل وطنها هماً لا يفارق عملها ، تنتظر يوم عودتها علها تقدم حصيلة معرفتها وما نهلت من معلومات وتجارب في خدمة القطاع الذي تعمل به.
وفي الغرب ، ثمة فتاة أجبرت على الارتحال في سنوات البؤس الإرهابي تنتقل بين مطارات عواصم القارة العجوز تحمل سوريتها حروفاً وخطوطاً ملونة تواجه بها قحط أيام اللجوء القاسية وتأسى وتحزن وهي ترى بقلبها وإحساسها كيف تسرق حضارة بلدها وكيف تكون النظرة العقيمة والمرسومة مسبقاً لها باعتبارها قادمة من بلاد الشمس في يوم غائم.
وفي وسط العالم ، يستيقظ شاب نشيط قبل بزوغ الفجر يصل معمله قبل وصول أي عامل ، يتفقد الآلات ونظافتها وصالات العمل ومواقع الانتاج والتوزيع ، مستعيداً أسلوب والده في حلب قبل الغزو الهمجي عندما كانت عجلة الانتاج تدور على مدار الساعة ، لا تتوقف.
في مكان آخر يفتح باب المصعد ليدخل سوري يحمل حاسبه الشخصي بعناية كبيرة ، يصعد إلى ما بعد الطابق السبعين ارتفاعاً ، ويدخل مكتباً يطل على المحيط ويناقش جدول مواعيده لعقد صفقات في جهات العالم الأربع.
وبعيداً عن هؤلاء ثمة شخص ينتعل مداساً قديماً يطرق مصادر الرزق فتوصد كلها بوجهه ينتقل بين وجوه أرباب العمل الكالحة ، يقبل بالعمل تحت أي ظرف ليتمكن من إرسال جزء مهم من حصيلة جهده لأسرته التي يحاصرها العوز والفاقة في دهاليز المدينة الكبيرة.
قصص لا تنتهي تتشابه وتتكامل وتلتقي كلها في نفس موحدة لا تفرق بين غني ومحتاج ، ولا ترى فرقاً بين من ذهب إلى الشرق الأقصى وذلك الذي يضيع في متاهات الأرض يحمل حزن عصور الخيبة بين جنباته ويرفع راية عز وعمل وعطاء ما توقفت وما وهنت يوماً، فالسوري الذي أجبرته ظروف الحرب والبؤس والدمار الإرهابي على الابتعاد جسداً عن أرضه، هو ذاته يحملها أينما ارتحل متجاوزاً أكاذيب وترهات وخداع الحاقدين، وهو ذاته يستبشر بقادمات الأيام القادرة على إعادة واستعادة من خطفه المعتدون.