الثورة – ترجمة رشا غانم:
تحافظ الصين على سياسة مدروسة فيما يخص الحرب في أوكرانيا، فهي تلقي اللوم على الغرب لتهديده المفترض للأمن الروسي وإدانة الولايات المتحدة لفرضها عقوبات، وهي تدعم سياسة التهدئة للمنطقة الإقليمية، وسلامة الدول ذات السيادة والدعوة إلى حل تفاوضي للأزمة في أوكرانيا.
كيف تتخذ الصين هذه السياسة؟ تكمن الإجابة في ما أصبح المبدأ الأول للسياسة الخارجية الصينية عدم الثقة في الولايات المتحدة.
لعقود من الزمان، شرعت الصين في السعي لتحمل ما تعتبره موقعها التاريخي المفوض كقوة مهيمنة في آسيا، وكواقعيين استراتيجيين، توقع القادة الصينيون دائماً أن الولايات المتحدة ستسعى لحماية مكانتها القديمة كقوة مهيمنة في المنطقة، ومن وجهة نظر بكين، فإن الولايات المتحدة فعلت ذلك بالضبط.
مع ازدهار قوة الصين وطموحاتها، تدرك بكين أن واشنطن قد هاجمت الحزب الشيوعي الصيني على أسس أيديولوجية وحقوقية، وسعت إلى تقويض السيطرة الصينية على المناطق المحيطة مثل شينجيانغ وهونغ كونغ.
كما خلّدت انقسام تايوان من البر الرئيسي، وعارضت تأكيد الصين لحقوقها في بحر الصين الجنوبي، كما تواطأت مع حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في تحالفات مقنّعة لاحتواء الصين، مثل الحوار الأمني الرباعي بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا؛ واستخدمت التعريفات لمحاولة إجبار الصين على فتح اقتصادها وتغيير ما يعتبره الحزب الشيوعي نموذجاً اقتصادياً ناجحاً.
لكن الصين ما زالت تسير بخطا ثابتة، على الرغم من مجموعة من التحديات، لا يزال الحزب الحاكم واثقاً من قدرته على بناء دولة حديثة مزدهرة وقوية وديمقراطية.
وهو واثق بنفس القدر من أن الولايات المتحدة عالقة في عملية تدهور لا رجعة فيها ستقضي عليها تدريجياً كمنافس جاد في آسيا.
ربما يكون ما يجري في أوكرانيا قد ساهم في هذا التراجع من خلال فضح تردد الولايات المتحدة وهشاشة تحالفاتها، حيث أعطت الحرب الولايات المتحدة ذريعة للضغط المتزايد على الصين، والمطالبة بمزيد من التعاون من حلفائها الآسيويين، والضغط على الهند لتقليص العلاقات الاقتصادية مع روسيا، والأسوأ من ذلك كله، أنه عزز التزام الدفاع الأمريكي تجاه تايوان.
في هذا السياق، فإن الأولوية الاستراتيجية للصين هي تجنب فعل أي شيء من شأنه أن يعوق عملية التراجع الأمريكي.
تستاء الصين بشدة من المواقف الأخلاقية الأمريكية التي تدعي الدفاع عن ما هو صحيح ومشروع، وإخبار بكين بما هو في مصلحة الصين وكيف ستُعاقب إذا لم تمتثل.
وترى بكين بأن المواقف الأخلاقية هي الطريقة التي شرّعت بها الولايات المتحدة دائماً هيمنتها السياسية العديدة وتدخلاتها العسكرية، الآن ترغب الولايات المتحدة في جني فوائد إضافية من حرب أوكرانيا من خلال فصل الصين عن روسيا.
إن بكين ليست على وشك الوقوع في هذا الفخ، وبدلاً من ذلك، تسعى إلى الحفاظ على ما تبقى من شريكها الأساسي في جهودها لكبح غطرسة الولايات المتحدة، فالعلاقة التي تربط بين الصين وروسيا هي عداء للولايات المتحدة.
وقد وصف الزعيمان الروسي والصيني الشراكة بأنها شراكة “بلا حدود”.
في الواقع، ليس لروسيا أي مصلحة في القضايا الأمنية الأساسية للصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي، وليس للصين مصلحة في قضية الأمن الروسية الأساسية المرتبطة بأوروبا الشرقية، على الرغم من تسوية آخر نزاع حدودي بين البلدين في عام 2008.
أخيراً ستظل روسيا عنصراً أساسياً في دعم مقاومة الصين للهيمنة الأمريكية، ومع صعود الصين تدريجياً وتراجع الولايات المتحدة تدريجياً فإن بكين ستظل تتخذ موقفاً متوسطًا في كل من خطابها وأفعالها.
المصدر: فورين بوليسي