الثورة – مرشد ملوك:
الهاجس الأكبر بعد الزيادة غير المسبوقة على رواتب وأجور العاملين في الدولة والتي لم يسر مفعولها إلى الآن، رغم كل التصريحات بأنها ستصرف في الأول من تموز الجاري، لم يزل الهاجس هو ارتفاع الأسعار بعدما بدأت بعض المواد الأساسية تتحرك أسعارها، وهذا حال تقليدي مقيت كان يرافق أي زيادة على الرواتب في سورية سابقاً.
تضخم ليس إلا
كل التجارب السابقة للزيادات على رواتب العاملين في الدولة لم تكن سوى حالة تضخمية تنقل أسعار السلع اليومية والأساسية من حال أدنى إلى مستوى أعلى من السعر والقيمة السوقية لكل سلعة، لا بل على العكس من ذلك، لقد كانت بعض الزيادات السابقة تهدف إلى تصحيح مالي وهيكلي في المنظومة المالية للدولة وفق منظور محاسبي، دون الاكتراث بأي أثر يمكن أن يصل للناس- فعلياً لم يصل- لدرجة وصلنا إلى مرحلة كنا نقول فيها “ما عاد بدنا زيادة”.
في ظروف الاقتصاد السابقة أيام النظام البائد كانت كل السلع الأساسية من مشتقات نفطية أو مواد غذائية إما محددة أسعارها أو محتكرة، وبالتالي فإن دورانها في السوق بقرار إداري لا بحراك اقتصادي، لذلك قبل طرح الزيادة كان التفكير يتجه إلى المواد التي يجب رفع أسعارها لتغطية زيادة الرواتب، وفي الغالب كانت الخيارات تقع على البنزين والمازوت ونسبياً الخبز، والعجب العجاب كان مرسوم زيادة الرواتب يصدر في الصباح ومرسوم زيادة البنزين أو أي مادة أساسية أخرى يصدر في الثانية عشرة ليلاً من نفس اليوم، وترى الألسن تتناقل “يا فرحة ما تمت”.
أسعار محررة
في الظرف الاقتصادي اليوم فأن أغلب المواد الأساسية تم تحرير أسعارها وهي تتناغم نسبياً مع سعر صرف الدولار في السوق، وأيضاً فهناك تحرير كامل لسوق التجارة الخارجية إلى درجة الانفلاش، لذلك فلا يوجد مبرر لأي اتجاه إداري في التسعير من شأنه رفع الأسعار أبداً.. أبداً.
فيما يخص الكتلة النقدية التي ستدخل إلى السوق جراء الزيادة إن تم قياسها وفق حاجة الأسرة السورية فهي لن يكون لها بأي حال أي أثر تضخمي ورفع أسعار جراء تزايد الطلب على المواد، لأنها ببساطة لم تزل إلى اليوم- على أهميتها الكبيرة- تحت سقف الحاجات اليومية للأسرة السورية، وهذا ما عبر عنه بشفافية وزير المالية الدكتور يسر برنية بالقول: “إن الجهود مستمرة لزيادات قادمة على الرواتب والأجور”.
ميزان وزارة الاقتصاد
مقابل ذلك، فإن زيادة الطلب على السلع الأساسية من المفروض أن يكون له أثر على الإنتاج المحلي من هذه المواد، في حال أدارت وزارة الاقتصاد والصناعة ميزان الإنتاج المحلي والاستيراد والمواد الأولية المستوردة والرسوم المفروضة على كل سلعة تدخل وفق حاجة المواطن والصناعة المحلية من المواد الأولية والمواد الجاهزة للاستهلاك ، وبالتالي يجب أن يكون التضخم صفراً أو بأدنى حالاته.
مسؤولية التجار
المعضلة الكبرى التي تواجه هذه الزيادة اللافتة ويمكن أن تجهضها في مهدها هو تعود التجار على رفع الأسعار للاستغلال ومراكمة الأرباح حتى في ظل الواقع الاقتصادي المفتوح الذي تحدثنا عنه، “لأنو الدجاجة كسروا منقارها ما غيرت كارها” وخاصة هناك اعتقاد لدى هذه الشريحة بأنه عندما ترتفع الرواتب فإن كل شيء يجب أن يرتفع، ويغطون في ذلك تكاليف زيادة لأجور للعمالة لديهم من جيوب الناس لا من جدوى اقتصادية يجب أن يعيدوا حساباتها.
اختلاف جذري
الوضع اليوم مختلف جذرياً وأسعار المواد محررة وفق نظام السوق المفتوح ووفق الميزان العالمي، لا بل هناك بعض المواد لم تزل أسعارها أغلى لدينا مثل بعض المشتقات النفطية، وهي وفق منطق وجدلية هذا السوق يجب أن تنخفض أسعارها لا العكس.