الثورة – رولا عيسى:
الغذاء لم يعد ملفاً اقتصادياً، بل خط الدفاع الأول عن البقاء، هذا التوصيف بات متفقاً عليه عالمياً، فماذا عن سوريا بعد أن تصدر تقرير منظمة الأغذية والزراعة الـ “فاو” عن حالة الأمن الغذائي في سوريا، مؤشراً أحمر واضحاً؟.
واعتبر التقرير أن 16,3 مليون إنسان مهدد بانعدام الأمن الغذائي هذا العام، بعد تضرر أكثر من 2,5 مليون هكتار من زراعة القمح، نتيجة موسم زراعي هو الأسوأ منذ 60 عاماً.
الغريب أن التحرك الحكومي مازال خجولاً، فهذا ليس إنذاراً مناخياً فقط، بل هو تحذير وطني من خطر قادم، لا يمكن مواجهته بسياسات معتادة، بل برؤية استراتيجية تتعامل مع الغذاء كمصدر للسيادة والاستقرار، لا مجرد سلعة.
أرقام تصدم.. وفجوة تتسع
وفقاً لـمنظمة الـ”فاو”، فإن 95 بالمئة من القمح البعل قد تضرر بالكامل، والقمح المروي سينخفض إنتاجه بنسبة 30-40 بالمئة، وأما فجوة القمح المتوقعة: 2.5 – 2.7 مليون طن، و75 بالمئة من المراعي الطبيعية تضررت، مما يُنذر بأزمة علف حيواني موازية.
الأخطر من ذلك أن هذه المؤشرات تترافق مع قدرة حكومية محدودة على الاستيراد، وإنتاج محلي غير كاف، مما يجعل من الجفاف تهديداً للأمن الغذائي لا مجرد أزمة موسمية.
الحكومة أعلنت عن خطة متكاملة لمعالجة أزمة القمح عبر عدة محاور رئيسية منها تنظيم دعم القمح المحلي، إذ أصدرت وزارة الاقتصاد إرشادات لمنع إدخال القمح المستورد خلال موسم الشراء عام 2025، بهدف حماية المنتج المحلي وضمان استفادة المزارعين من الدعم الكامل.
وعملت على تحديث آلية الدفع عبر إطلاق المؤسسة السورية للحبوب نظام “شام كاش” للدفع بالدولار عبر محفظات إلكترونية، لتسليم المستحقات للمزارعين بأربع دفعات مباشرة وسريعة، مما يوفر الشفافية ويعزز ثقة المزارعين.
كذلك عملت على التنويع واستيراد القمح الاستراتيجي، فطرحت مناقصات لاستيراد نحو 100 ألف طن قمح مطحون، بالإضافة إلى فتح عقود لاستيراد 700 ألف طن خلال ثلاثة أشهر، مما يدل على استجابة عاجلة لتغطية النقص الحاد.
أيضاً حصلت الحكومة على منح من العراق تبلغ إجمالي 220-250 ألف طن، تم توزيعها على المحافظات بالتنسيق مع المؤسسة العامة للحبوب.
وأبرمت الحكومة اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي (WFP) لتزويد 64 مخبزاً بالدقيق وتوفير الخبز بسعر التكلفة لنحو مليوني مواطن، بغية تخفيف العبء المعيشي عن الأسر الأكثر هشاشة.
لكن ما المطلوب من الحكومة في ظل استمرار أزمة الجفاف؟.
تقول الخبيرة التنموية والاقتصادية الدكتورة زبيدة القبلان في حديثها لصحيفة الثورة: لابد من إعلان حالة طوارئ غذائية وزراعية وطنية، وتفعيل خطة استيراد سريعة لتأمين فجوة القمح قبل نهاية العام، وتوجيه دعم مباشر للفلاحين لإعادة إحياء الأراضي المتضررة، وتأسيس صندوق طوارئ زراعي مستقل بتمويل حكومي ودول، وضرورة التعاون مع الـ”فاو” وبرنامج الأغذية العالمي لمشاريع إنتاج سريعة، على حد قول الخبيرة التنموية والاقتصادية.
لكن كيف نعزز الأمن الغذائي ونضع حلول قائمة على الحقائق؟، هنا تقول الدكتورة القبلان: يجب إعادة تصميم الخارطة الزراعية نحو محاصيل أقل استهلاكاً للمياه، وتوسيع الري الحديث بأنظمة تنقيط تعتمد على الطاقة الشمسية.
كذلك دعم البذور المحسّنة المقاومة للجفاف، بحسب الدكتورة القبلان، و تشجيع الصناعات الغذائية المحلية لتقليل الاعتماد على استيراد المنتجات النهائية، رقمنة بيانات الأمن الغذائي لمراقبة الإنتاج والفجوات بدقة.
مواجهة الآثار
سؤال آخر يطرح نفسه، ما الذي يجب البحث عنه في مواجهة الآثار؟.. ترد الدكتورة القبلان: إنه من الضروري توفر مياه الري البديلة: الآبار، التحلية، المياه المعالجة، إضافة لجاهزية النقل والتخزين والاستيراد، وقدرة الدعم الحكومي على الاستمرار في بيئة اقتصادية منهكة، ناهيك بأهمية التعاون الإقليمي مع الدول المجاورة (لبنان – العراق – الأردن) لإمدادات حبوب قصيرة الأجل، والمراهنة على مشاريع طويلة الأمد مثل “حصاد مياه الأمطار” و”الزراعة الصحراوية”.. لاشك أن المخاوف اليوم تزداد من استمرار الجفاف لعام إضافي أو أكثر؟.
هنا تشير الدكتورة القبلان إلى أن أحد السيناريوهات في حال استمرار الجفاف، هو اتساع فجوة القمح، وخروج قطاعات من الإنتاج الحيواني، وموجات نزوح ريفي داخلي بسبب فقدان الدخل الزراعي، وتضخم أسعار القمح ومضاعفة فاتورة الدعم الحكومي، وانعكاس ذلك على الحالة الاجتماعية والمعيشية. وتضيف: إن جذور المشكلة تعود إلى انهيار البنية التحتية، تدمير السدود ومحطات الري خلال الحرب حوّل 1.2 مليون هكتار من الأراضي المروية إلى بعلية، كذلك التضخم الجامح ارتفعت أسعار الأسمدة 300 بالمئة منذ 2020، بينما بلغت تكلفة إنتاج القمح 3 أضعاف سعره المدعوم بحسب الدكتورة القبلان.
أخيراً
من المؤكد أن غذاء سوريا ليس في الحقول فقط… بل في السياسات أيضاً وهي الأهم، فالسياسات الزراعية أثبتت فشلها ، ولا يمكن اليوم وقف تهديد الجفاف بقرارات سطحية لأن الأمن الغذائي لا يُبنى من خلال الاستيراد وحده، بل من خلال رؤية طويلة الأمد تجعل الزراعة ركيزة للسيادة الاقتصادية.