لم يكن مفاجئاً لنا في المنطقة العربية وربما في الكثير من دول العالم أن تتوصل لجنة التحقيق المكلفة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى حقيقة نعلمها جيداً بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين هما “السببان الجذريان” للتوترات المتكررة وعدم الاستقرار وإطالة أمد الصراع في المنطقة.
فكيان الاحتلال الذي زرعته بريطانيا في فلسطين بوعدها المشؤوم قبل مئة عام، ورعته ودعمته واشنطن ليكون يدها الطولى في منطقتنا، يحتل الأرض العربية في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، وشرد الملايين من شعب فلسطين، ويحاصر من بقي منهم في قطاع غزة الذي حوله إلى أكبر سجن في العالم، ويسرق أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل يومي ويمارس التمييز العنصري ضدهم ويقتل النساء والأطفال، كل هذا نعرفه ونحفظه عن ظهر قلب.
ورغم أهمية تقرير لجنة التحقيق المكلفة من مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ نيسان 2021 برئاسة نافي بيلاي المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، الذي صدر قبل أيام وأكد أن “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي ضروري لإنهاء دورة العنف المستمر” في المنطقة، لكن ماذا بعد؟ وهل سيتغير شيء؟
الكل يعلم من الأمم المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان وجميع المنظمات الدولية أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفضت منذ البداية التعاون مع اللجنة أو الاعتراف بها أصلاً، وهي اعتبرت التقرير منحازاً ومضللاً وغير مؤهل بسبب كراهيته لـ”إسرائيل”، وهذا حال كل القرارات التي تنتقد كيان الاحتلال سواء ما يتعلق منها بجدار الفصل العنصري أو بالمستوطنات أو بالاحتلال نفسه للأراضي الفلسطينية والجولان السوري.
فكل ما ذكره التقرير نعلمه ويعلمه العالم جيداً، لكن ماذا بعد؟ من يحاسب هذا الكيان الغاصب المحتل؟ أي هيئة دولية قادرة على وضع حدٍّ لإجرامه بحق الفلسطينيين وبحق السوريين، وأين مجلس الأمن من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ضد سورية وشعبها؟
فلسطين ليست أوكرانيا لتحشد الولايات المتحدة وأوروبا قواها للوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ولا حتى تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي التي شاركت في صياغتها وتبنيها، والشعب الفلسطيني الذي يعاني من جرائم الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود لا يؤثر في الضمير الإنساني الغربي.
لقد بات لزاماً على دول المنطقة وشعوبها أن تواجه بنفسها المحتل الإسرائيلي الذي يزيد من عربدته واعتداءاته يومياً، يغتصب الأرض والحقوق ويعتدي على سورية ويسرق ثروات لبنان في البحر، ولن يردعه سوى امتلاك القوة التي نراها تزداد يوماً بعد يوم في سورية ولبنان وفلسطين، بالرغم من عشر سنوات ونيف من الفوضى والإرهاب الذي ضرب دول المنطقة وشعوبها.
ولأن تقارير الأمم المتحدة وقراراتها لن تساوي الحبر الذي كتبت به ما لم تمتلك شعوبنا ودولنا القوة التي تمكنها من انتزاع حقوقها المغتصبة، علينا أن نستعد لما هو آتٍ، فالأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت بعد أن تفلّت الصراع من كل قيد.