الملحق الثقافي – سلام الفاضل:
تُصدر دور النشر كل يوم حول العالم مئات الكتب والإصدارات التي تتناول صنوفاً فكرية، وأدبية، وفلسفية، وسياسية مختلفة،
تلبي حاجة القرّاء على اختلاف مشاربهم المعرفية، وشرائحهم العُمرية، ومرجعياتهم الفكرية، وتحاول عبرها تقصي آخر ما وصلت إليه قرائح الكتّاب والأدباء من أفكار ورؤى، وما سالت به أقلامهم من أحبار يرسمون بها تقلبات حواضرهم، وماضيهم، أو آفاق مستقبلهم وإشراقاته. ويسارع القرّاء والمهتمون إثر ذلك إلى تلقف هذه الكتب والينابيع المعرفية فور إصدارها لعلهم يجدون بين دفتيها ما يساعدون به نفوسهم الحائرة في التغلب على عدم يقينها، أو ربما يهتدون من خلال صفحاتها إلى إجابات عن أسئلة طال انتظار فك طلاسمها، أو لعلهم يقرؤون في شخوص رواية، أو يشاهدون في أبطال عمل مسرحي أو درامي ملامح ذواتهم، وتعرّج زمانهم فيكفون عن النحيب والشكوى ويسارعون إلى تلمّس خُطى تلك الشخوص التي استطاعت عبر تصميم ثابت أن تحلّ وثاقاً كبّل روحها فأنهكها… وتطول القائمة في هذا المضمار، أو تقصر ولكن يبقى الثابت الوحيد فيها هو فعل الكتابة، ذلك الحاضر أبد الدهر، والفاعل فعله في إدراك البشر، ونفوسهم، وأمام أهمية هذا الفعل، وحضوره على مرّ العصور واختلافها، وفناء الأزمنة وانبلاجها يبقى السؤال الذي يطالع أي كاتب، وهو يمارس ذاك الفعل المحبب إلى قلبه، ماذا نكتب؟ وإلى من نكتب؟ وللإجابة عن ذلك تحرّينا رأي الإعلامي والكاتب محمد سمير الطحان الذي تحدث بدايةً عن قصته مع الكتابة التي تعود إلى عهد قديم، مؤكداً أن قراءة شتى صنوف الأدب والشعر كان لها دور بارز في بلورة موهبته الكتابية، لتأتي بعد ذلك دراسته الإعلام الأمر الذي مكّنه من امتلاك تقنيات الكتابة الأكاديمية بشقيها الإعلامي والأدبي، لتبدأ لاحقاً رحلته مع الكتابة، حيث استقرّ على ملازمة كتابة القصة القصيرة، والسيناريو، والمسرح.
ويتابع الطحان: «ثم جاءت سنوات الحرب التي أصابت أرواحنا جميعاً بجروحها على المستويات كافة، وكان لي نصيب من دمارها على الصعيد الشخصي، فلم أجد أمامي سوى الكتابة التي انتشلتني من جحيمي الذي طال لسنوات». ويردف قائلاً: «أما قرار الكتابة فلم يكن حضوره إلى ذاتي عبثياً، أو دون هدف واضح، على الرغم من حالة التخبط التي كنت أعانيها، فمنذ سنوات الحرب الأولى أدركت أن المستهدف من هذا الخراب كله هو الإنسان… فكان خياري، على صعيد الكتابة الإبداعية، هو التوّجه نحو الأشخاص الأكثر ضعفاً في المجتمع، ومن آلمتهم آثار الحرب مُخلّفة ندوباً مؤلمة في أرواحهم، ودمرت عوالمهم الداخلية والاجتماعية، فكتبت عن المرأة والطفل، حيث تنوّعت قصصي وموضوعاتها بين الفقد والحرمان، والفقر والصبر، وشدة الأسى والقدرة على التحمل، ورصدت تفاصيل إنسانية صغيرة من الحياة التي أفرزتها الحرب، لأبني عليها حكاياتي بقوالب مشوّقة ومؤلمة في الآن ذاته، قاصداً من وراء ذلك هذا الألم التطهيري الواجب لمساعدة المجتمع على التعافي، ومنطلقاً من دوري ككاتب أسهم في مساعدة نفسه على التطهر والتعافي من كل ما ألمَّ بها..»
ويختتم الطحان كلامه عن فعل الكتابة، والموضوعات التي ينبغي على الكاتب تناولها في سردياته، والشرائح التي يجب عليه التوّجه لها عند الكتابة، بالقول: «والكاتب في زمن الحرب يتوجه غالباً إلى مجتمعه الذي ينتمي إليه، ويعتبر نفسه جزءاً لا ينفصل عنه، فإذا عُرف الداء عُرف الدواء، من هنا أجد أنه لا بد عند الكتابة، من أن نكتب عن حيواتنا وآلامنا، وأوجاعنا وآمالنا، فالكتابة مرآة الإنسان والمجتمع، وهي تعكس الحقيقة وتساعد على حلّ المشكلات عبر الاعتراف بها، وتحديد مواطن الخلل فيها، وتنوّع الأساليب والمقولات عند الكاتب يغني حالة الكتابة، ويفتح آفاقاً واسعة أمام القارئ لينهل من ينابيع شتى تكون بلسماً لجراحه، ومحطات استراحة لروحه المتعبة لعلنا نصل من خلال ما نكتب إلى طاقات نور في جدار الكارثة السوداء التي حلّت بنا، ولعلنا كذلك نكون قادرين على ولوج الغد بأقل الخسائر، ونخفف ما استطعنا من وطأة الخراب على أرواح أطفالنا الذين نعوّل عليهم لبناء ما تهدم في مستقبل الأيام».
العدد: 1100 التاريخ: 21 – 6 – 2022