الملحق الثقافي – مها محفوض محمد:
ربما من المحزن أن نعترف أن الكثير من أطفالنا اليوم لايقرؤون غير مناهجهم المدرسية ولا يسمعون حكايا الجدات والأمهات والآباء وبالتالي يمضون في أفق ضيق يصبح الخيال مهيضاً تنعدم فيه الذائقة الجمالية.
حكايا الأطفال أو أدب الأطفال بألوانه ليس ترفاً ولا يمكن أن يكون كذلك أبداً علم النفس والتربية يؤكدان على ذلك ..وفي تراثنا العربي نبضات وألوان منه ..فالطفل الذي كان يتم إرساله إلى البادية لتعلم الفصاحة والشعر ومهنة المؤدبين وغيرهم تدل على نظرة تربوية صائبة.
نحن اليوم نحتاجها أكثر من أي وقت مضى في زمن الاستلاب الرقمي.
في هذا المقال نشير ونعيد التأكيد على أن هذا اللون من الإبداع يلقى الاهتمام الكبير من المؤسسات الثقافية الغربية ..ونستعرض تجربة هاري بوترهنا.
لم يحظ جيل برعاية كالتي حظي بها جيل هاري بوتر، الجيل الذي تخاطفه الناشرون وداعبه الأدباء الذين يتنافسون اليوم على جذب اهتمام المراهقين والمراهقات ودفعهم للقراءة قسراً.
فروايات الخيال وما هو خارق للطبيعة يلقى شعبيته عند المراهقين والمراهقات اللواتي يفضلن مآثر الفرسان كما روايات السحرة والمردة ومصاصي الدماء.
الأطفال الذين بدؤوا قراءة الجزء الأول من هاري بوتر عام 1997 بلغوا الخامسة والعشرين وأكثر من أعمارهم وطبعاً دفعوا إخوتهم لأن يحذوا حذوهم ويطلبوا المزيد، فهذا الجيل وجد ضالته في بوتر الذي أبعد عنه الحيرة بمغامراته ومخيلته الواسعة ما جعل هذا الأسلوب في السرد الروائي ينتقل إلى العديد من الأفلام الأنغلوساكسونية والفرنسية إضافة إلى انتقال مغامرات بوتر الشائقة إلى الشاشة الفضية حيث حطمت شبابيك التذاكر أرقاماً قياسية في صالات السينما، فقد حقق عرض الجزء الثالث من سلسلة أفلام، «بوتر وسجين أزكابان» مبيعات تذاكر بلغت 92 مليون دولار في أول عرض له في الولايات المتحدة كما حققت صناعة السينما في هوليوود أرباحاً طائلة من سلسلة«هاري بوتر».
من هو هاري بوتر؟
إنه إحدى الشخصيات الخيالية في تاريخ الأدب وفي عالم السحر، بدأ جنون الولع به عند الكاتبة البريطانية جوان كاثلين رولينغ التي لم يكن اسمها معروفاً قبل أن يهجرها زوجها وتضطر للعمل، فاحترفت الكتابة الموجهة للفتيان حيث راودتها فكرة هاري بوتر عام 1990 عندما كانت تستقل القطار من مانشستر إلى لندن وأنتجت أول رواية عنه عام 1997 لتتوالى السلسلة وتصل إلى سبعة مؤلفات، وما إن ظهرت أولى مغامرات الصبي بوتر الذي يدرس في مدرسة هوغوورتس للسحرة والمشعوذين حتى تلقفته وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها ذلك لأن البطل بوتر ينقل هواجس عصرنا المضطرب وهو ابن المجتمع الغربي الذي يتعرض أثناء دراسته الإعدادية لحفنة من الأشرار تجسدهم الكاتبة بشخصيات تجمع بين الخيال والواقع لتصبح بعدها أول مليار ديرة في العالم وتحصل على وسام الشرف البريطاني.
لقد سجلت رولينغ أعلى أرقام مبيعات في الغرب وهي قد خططت لسلسلة جديدة تستهدف جمهوراً أصغر سناً من جمهور هاري بوتر وكانت قد رصدت إيرادات كتابيها« الوحوش المذهلة»و«كويدتش عبر العصور» إلى الأعمال الخيرية غير أن أدبها أثر كثيراً في الأوساط الأدبية وأصبحت دور النشر تطلب إعادة الشخصية بأسلوب آخر.
ومن أبرز القامات الروائية التي تأثرت بأسلوب رولينغ هي جاكلين ويلسون التي تعتبر اليوم ظاهرة أدبية في بريطانيا.
جاكلين تختار ورق الرسائل المزين بصور القطط لتجيب على رسائل الأطفال الذي يكتبون لها بحب وسرور عبر البريد الالكتروني، وقد بلغ عدد كتبها حوالي مئة كتاب لمن تتراوح أعمارهم من تسعة إلى أربعة عشر عاماً، وتعتبر ويلسون كاتبة شعبية في بريطانيا كما رولينغ مع أن أعمال الكاتبتين لاتتشابهان إلا قليلاً.
تقول ويلسون: أتابع دوماً دون كلل تخيل شخصيات لفتيات صغيرات يشبهن أولئك اللواتي يكتبن لي أمثال: جيني، ميلي، شارلوت، أفريل.
فأبطال رواياتها يواجهون صخب الحياة ومتاعبها باندفاع وحماسة كما تتطرق إلى جميع المواضيع التي تشغل الفتية بدءاً من قلة الشهية للطعام التي كانت تعاني منها الأميرة ديانا إلى الحب الأول الذي يخلق لدى المراهقين حالة الاضطراب.
وتثير الكاتبة المواضيع الأكثر حساسية بدقة ونباهة لا مثيل لهما، وبالمقابل هي لا تنسى الحديث عن الأشياء الجميلة التي تحملها لنا الحياة والتفاؤل الذي علينا أن نعرف كيف نحافظ عليه كما تنهي كتبها بنهايات جميلة دائماً.
تقول: حين أكتب قصة فتاة عمرها عشر سنين فأنا ابنة العشرة في أفكارها، ولا تزال ذاكرتي حية تنبض بذكريات تلك المرحلة من العمر، أتذكر مشاعري، رغباتي، مخاوفي، بالمقابل فأنا دوماً أحرص أن أكون ابنة هذا الزمن الذي أتعامل فيه مع قرائي فعندما يكتبون لي يبوحون بأسرارهم كما لو أني من جيلهم فهم يعبرون عن ذلك بفطرتهم الرائعة ويسألوني إن كان لدي أصدقاء؟ وأي ساعة أذهب للنوم؟.
لم يخطئ المدرسون الإنكليز حين جعلوا من الكاتبة ويلسون إحدى دعامات المنهاج المدرسي في برامجه الأدبية فهذه الكاتبة التي تبلغ تجاوزت الستين تزور المدارس وتدخل إلى الصفوف أكثر من مرة خلال الأسبوع لتتحدث إلى الطلاب عن الفرح الذي تشعر به حين تقرأ رسائلهم.
ويلسون المؤتمنة اليوم على أسرار المراهقين تعمل ما بوسعها لتشجيع القراءة تقول: عندما كنت صغيرة كل الفتيات في صفي كن قد قرأن« البنات الأربع» للدكتور مارش وعندما وصلت ابنتي إلى عمر القراءة فقط نصف زميلاتها قرأن الكتاب فكم عدد اللواتي سيقرأن اليوم؟.
هاري بوتر وأبطال جاكلين ويلسون وغيرهما من كتاب أدب الفتيان كانوا مدعوين تحت عنوان« الأميرات والأمراء» لفعالية مونتروي المعرض الذي أقيم في ( مونتروي- سان دونيز) وهو أكبر تظاهرة يشارك فيها حوالي300 دار نشر باعت حوالي 60 مليون كتاب هذا العام لأدب الشباب والذي اعتبرت الروايات الموجهة له كقاطرة جرارة.
شارك في المهرجان أكثر من مئة قامة أدبية متخصصة في هذا الأدب.
العدد 1101 -28-6-2022