الملحق الثقافي – عبد الحميد غانم:
لماذا نكتب؟ سؤال وجودي مهم في حياة الكاتب أو الصحفي أو الشاعر أو الأديب أو العالم أو أي صاحب مهنة تتعلق بمهنة الكتابة هذا سؤال جوهري في العملية الإبداعية لإثبات ذاتنا للتعبير عن أحلامنا وآمالنا وخواطرنا.
في الكتابة نستشعر خطر الوجود، فينتابنا أرق لا فكاك منه، هذا الأرق يجعلنا دائمي التفكير حول أسئلة كثيرة مرعبة في حياتنا،أسئلة مصير الإنسان.
من هنا الكتابة أمل في وجود عالم بعيد عن التوتر والصراع على المكاسب. الكتابة هي بحث عن الحب الإنساني والحياة السعيدة المرسومة في أذهان الأطفال والشبان.
نكتب لنرتاح من الألم مرة واحدة، ولعلَّنا نكتب مرَّات كثيرة؛ رغبة في المزيد من الألم المُلْهم، نكتب عزاءً لذَواتنا، وتصبيراً لكلِّ مَن يبحث عن برد العَزاء وراحة السلوى عن كلّ محبوب ومفقود.
نكتب أحيانًا تألُّماً وشكوى مما يثور في أعماق وِجداننا، وفي أحيان أخرى نكتب نيابة عمَّن لا قلمَ له ولا صوت، نكتب أحياناً للتنفيس وإراحة لضمائرنا المثقلة والمتعَبة، نكتب اعترافاً ببشريَّتنا وضَعفنا وزَلاتنا، وأملاً في الغُفران والتوبة.
لماذا نكتب يرد نزار قبّاني فيقول:
أَكْتُبُ..
كيْ أُفَجِّرَ الأشياءَ، والكتابةُ انفجارْ
أكْتُبُ..
كي ينتصرَ الضوءُ على العُتْمَةِ،
والقصيدةُ انتصارْ.
والكتابة كتنفس الهواء عند غيش جين اذ تقول: لا أفكر لماذا أكتب أكثر مما أفكر لماذا أتنفس.. فغياب الكتابة أمر سيئ كما هو عدم التنفس.
والكتابة هي الأمل عند كاثرين هاريسون تقول: أكتب لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي أعرفه والذي يمنحني الأمل بكوني جديرة بالمحبة.
الكتابة أكبر من مجرد مهنة أو هواية، بل هي اشبه بهوية، ديفيد بالدتشي كتب أفضل رواياته عندما كان محاميا وهو روائي أميركي يكتب للشخص الذي يعرفه جيداً، فهو يكتب لنفسه، ترجمت رواياته إلى ٤٥ لغةً، وبيعت في ٨٠ دولة، وطُبع منها أكثر من ١١٠ ملايين نسخة، ورغم كل هذا الانتشار فهو يكتب لنفسه! وصرح «أتعلمون من يفوز في المحكمة؟ الموكل الذي يمثله محامٍ يروي قصصًا أفضل من المحامي الآخر، فأنت عندما تقوم بدعوى قضائية لا يمكنك تغيير الحقائق، يمكنك فقط إعادة ترتيبها لتدعم موقف موكلك.
في العصور السابقة كانت هناك قيمة أكثر للكتاب والروائيين، ذيوع صيتهم وخلودهم في التاريخ، فكثير من النقاد يعتقدون اعتقاداً صادقاً أن مهمة الفن والأدب تخليد الانسان، لكن في عصرنا الحالي مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي وعزوف الكثيرين عن القراءة والتوجه إلى الكتب الإلكترونية، ما الذي يدفع الكتاب حقاً إلى الاستمرار، هذا السؤال الذي يجعلنا نبحث ونتساءل عن دوافع الكتابة فالجواب هو للاستمرار.
أما السؤال لمن نكتب؟ فهل يكتب الكاتب لنفسه فقط ام يكتب للآخرين لمجتمعه للتاريخ ؟
الكتابة لمن؟ ليست لها محددات معينة فإذا كتبنا لأنفسنا فنحن جزء من مجتمعنا وواقعنا.
نكتب ليس لمن يقرأ فقط بل من يقرأ ويفهم ويعمل.. ومن يعمل ليغير ويطور ويتقدم وينتقل من حالة أدنى إلى حالة أفضل. فالكتابة ليست احياناً هروباً من الواقع بل مجابهة الواقع بكلّ تحدياته والعمل على تغييره نحو الافضل،لان التطور التقني أعطى قوة للكتابة والكلمة فلا حواجز وقيود أمام انتشارها، فلم تعد الكتابة كالنحت في صخر لا يطولنا منها سوى شرارة الحارق فلا تغير حالاً، بل أضحت ذات فعل وتأثير وجمهورها اتسع وازداد كثيراً.
ومن باتت مسؤولية الكاتب كبيرة في الأهداف المنشودة وفي تجسيد دوافع الواقع ومحاكاته ودفع عوامل التقدم والارتقاء نحو الأفضل. نكتب كي ينتصر الضوء على العتمة.
العدد 1101 -28-6-2022