الثورة – فؤاد مسعد:
كثيرون يرون أن التجريب أحد أهم سمات العمل الإبداعي خاصة المتعلق بالشباب وبما يقدمونه من نتاج فني وثقافي متنوع متكئين على ما يمتلكون من موهبة ومعرفة وأفكار وأفق وشغف في البحث والاكتشاف لمحاولة الوصول إلى المختلف، وربما تشكّل عوالم الفن السابع الميدان الرحب لحالة التجريب، وهي الصفة التي كانت حاضرة في العديد من التجارب السينمائية التي قدمها شباب نهلوا من مدارس وتيارات إخراجية متنوعة ليقدموا رؤاهم وموقفهم من الحياة، والدليل الأنصع على ذلك تجارب سبق وتم إنتاجها على مستوى الهواة ضمن مشروع دعم سينما الشباب أو عبر مخرجين محترفين.
السؤال الذي يطرح نفسه ضمن هذا الإطار هل استطاع المخرجون الشباب إنجاز أفلام ظهرت بأطر مختلفة حقاً من خلال اتجاههم نحو التجريب فيما يقدمون؟ وإلى أي مدى يمكن للمخرج أن يُحلّق في التجريب ويقدم شطحات إبداعية؟ وما دور المعرفة والدراسة وسعة الاطلاع والخيال والبحث عن أنماط سينمائيّة مختلفة في ذلك كله؟.
ـ روح المغامرة:
يشير المخرج أيهم عرسان إلى أنه من بين الفنون المختلفة ربما تكون السينما هي الفن الأكثر حاجة للشباب بشكل مستمر، يقول: لطالما شكّل الشباب مصدراً للتجديد والتطوير في السينما، كما أن مخرجين كبار قدموا أعمالاً شكلت منعطفات وتحولات كبرى في مسار السينما العالمية وهم في مرحلة الشباب ومنهم دي سيكا وغودار وفيلليني وغيرهم الكثير، ومن هنا نجد أن روح المغامرة والبحث عن أساليب خطاب مختلفة جديدة كانت دائماً هاجساً عند السينمائيين الشباب، ولا ينفصل الشباب السينمائي السوري عن تلك الآلية في التفكير ولذلك نجد أن الأفلام التي قدمت في السنوات الأخيرة حملت هاجس البحث عن أساليب جديدة سواء على صعيد الطرح الفكري أم الشكل الفني أم طرق المعالجة الفنية أم كلها مجتمعة. وربما تعتبر الفسحة السينمائية التي تقدمها المؤسسة العامة للسينما في سورية للشباب من أهم النوافذ التي يمكن أن تطل منها تلك المواهب وتعبر عن نفسها. وبطبيعة الحال هذه مهمة ليست سهلة على الإطلاق لأنها تحتاج إلى بحث وتجريب وجدية وكذلك تحتاج إلى كم كبير من الجرأة حتى يستطيع السينمائي الشاب تقديم أساليب قد تبدو مرفوضة أو مستهجنة من الأجيال السينمائية الأقدم والتي ربما تصادر ما هو غير متوافق مع طرقها في التفكير والتعبير.
ـ بنية متكاملة:
حول حالة التجريب التي يقدمها الشباب في السينما، يقول المخرج يزن نجدة أنزور: (أرى أن ما قدمته المؤسسة العامة للسينما في الفترة الأخيرة إن كان على صعيد الأفلام الاحترافية أو ضمن مشروع دعم سينما الشباب يبقى ضمن إطار الأفلام التجريبية، وبما أنه ليس لدينا صناعة سينمائية فلا نزال نحاول التجريب وتلمّس الأسطح، وهذا الأمر لا يقلل من قيمة ما يقدم، ولا من قيمة الموهبة ولكنها منفردة لا تكفي فينبغي أن يكون هناك بنية متكاملة، والفيلم هو مشروع ينبغي أن تتكامل عناصره مجتمعة بما فيها الإنتاج الذي له تأثير كبير خاصة إن أردنا مواكبة التقنيات الحديثة والغرافيك) وعن تجربته السينمائية والأفلام التي حملت روح التجريب يقول: لدي فيلم (تاتش) هو تجربة فريدة من نوعها إذ لم يغامر أحد في إنجاز تجربة مماثلة لأن فيه عنصر غرافيك، الأمر الذي ساعدني فيما بعد خاصة في إطار الغرافيك، وبالنسبة لي فإنني في المعهد العالي للسينما وفي ورشة الإخراج التي أنجزها أنصح الشباب عندما يسعون إلى التجريب بأن يكون الفيلم بسيطاً ومعبّراً وأن يتمكّن المخرج من أدواته جيداً قبل الدخول في تجربته السينمائية.
ـ أسس أكاديمية:
يتحدث المخرج حسام شرباتي عن الحد الفاصل بين التجريب والتخريب، يقول: التجريب أمر أساسي في عملية صناعة السينما والأفلام، وينبغي أن يكون مدروساً ومبنياً على أسس علمية وأكاديمية وإلا فإنه سيتحول إلى تخريب، وبالنسبة لي هناك مبدأ يقول “أعرف القاعدة واكسرها” ، وأعتبر أنني وصلت إلى مرحلة بت قادراً فيها على إدراك الخط الرفيع الفاصل بين التجريب والتخريب وبالتالي قادر أن آخذ خيارات فيها نوع من التجريب ولكنها مدروسة، ففي السينما ليس هناك ما تفعله من دون معنى.
وحول إلى أي مدى يمكن أن يشطح في التجريب ويذهب فيه حتى النهاية، يقول: أغامر إلى الدرجة التي يمكن من خلالها أن أخدم الحكاية، فعندما أريد أن أصنع فيلماً لا أفكر في عدة خيارات ومن ثم أفاضل فيما بينها، لكنني أرى ما أريد إنجازه في ذهني وأقول منذ البداية هذا هو الحل الوحيد وهذه الزاوية الوحيدة وهذه الطريقة الوحيدة التي أريد استخدامها في التصوير، وعلى سبيل المثال لدى تصويري فيلمي الأخير (سلمى) منذ دخولي إلى المنزل موقع التصوير عرفت أنني سآخذ لقطات طويلة وأنه ليس هناك أي معادل بصري لصناعة هذا الفيلم إلا هذه الطريقة.