الثورة- عبد الحليم سعود:
تحت شعارات وعناوين فضفاضة ليس لها من اسمها نصيب، أنهى الرئيس الأميركي العجوز والمتباهي بصهيونيته العتيقة جو بايدن جولته الأولى وربما الأخيرة في المنطقة متعهداً بمواصلة الضغط على إيران، وبأن بلاده ستظل شريكاً عاملاً ونشطاً في المنطقة تساهم في “السلام والتنمية”، ولم ينس بايدن أن يدغدغ مشاعر العرب عبر إدعائه العمل على مشروع “حل الدولتين” بما يتعلق بحل القضية الفلسطينية.
من الواضح أن لا جديد في السياسة الأميركية المراوغة تجاه منطقتنا، فأمن “إسرائيل” ومحاولة دمجها في شراكات عسكرية وأمنية واقتصادية مع ما يسمى دول “الاعتدال” العربي هو لبّ الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، إلى جانب الحفاظ على إمدادات الطاقة إلى الدول الغربية، ومنع روسيا والصين من لعب دور حيوي في قضايا المنطقة، والاستمرار بسياسات الهيمنة والتدخل تارة باسم محاربة الإرهاب وتارة باسم حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وتارة أخرى باسم التنمية الاقتصادية وما شابه ذلك، إذ لم نسمع من الرئيس الأميركي كلمة واحدة عن استعداد إدارته لسحب قواته المحتلة من سورية، أو الكف عن سرقة ثروات السوريين وتركهم بحرية يقررون مصيرهم، ولم يحدث أن وجّه بايدن أي لوم للكيان الصهيوني بخصوص اعتداءاته المستمرة على دول المنطقة، وخاصة سورية، أو وجّه للكيان الإرهابي أي دعوة للتخلي عن أسلحته النووية التي تهدد أمن المنطقة، أو حثه على وقف انتهاكاته بحق الفلسطينيين والتخلي عن مشاريعه الاستيطانية التي تقتل أي حلم بإقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة.
فالرئيس الأميركي بايدن الذي أنهكت إدارته بسبب تورطها المباشر في الحرب الأوكرانية وكذلك العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها على روسيا، يعيش اليوم ظروفا صعبة قد تطيح بآماله في التجديد لولاية رئاسية ثانية أو حتى الفوز بالانتخابات النصفية في الكونغرس، وهو أحوج ما يكون لمن ينقذه من تصاعد أزمة الطاقة العالمية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة وانعكست تضخما غير مسبوق على الاقتصاد الأميركي، وكذلك الاقتصادات الأوروبية، لذلك يعول على تعاون وتبعية بعض الدول الخليجية للسياسة الأميركية كي تلعب هذا الدور، في مقابل تقديم بعض الوعود الخلبية التي لا يستطيع أو لا يريد الالتزام بها، كالحفاظ على الأمن الخليجي من “الخطر الإيراني” المزعوم والمساعدة في حل أزمة الغذاء العالمية.
لكن الرئيس الأميركي يدرك جيداً أن بلاده لم تعد تستطيع أن تقرر مصير العالم بمفردها، أمام الحضور الواثق والتقدم الملحوظ لقوتين عالميتين عظميين لا يمكن تجاهلهما “روسيا والصين”، ولذلك تسعى إدارته الضعيفة لعقد تحالفات وتكتلات جديدة تؤمن حضورا أكبر لها في المنطقة على حساب الحضور الصيني والروسي، والحصول على بعض التمويل المالي لمعالجة التضخم الذي يضرب الاقتصاد الأميركي.
إن محاولة قلب المعادلات في المنطقة وتحويل الكيان الصهيوني إلى “صديق” للعرب في مقابل استعداء إيران وتصويرها على أنها خطر على الأمن القومي العربي، هي سياسة فاشلة لن تؤتي أكلها لا على المدى القريب ولا البعيد، فجميع العرب بمن فيهم الشعوب في دول التطبيع يعتبرون الخطر الأكبر على أمن المنطقة هو الخطر الصهيوني، ويليه وبنفس درجة الخطورة الخطر الأميركي، ولم يعد بالإمكان خداع الشعوب التي اكتوت بنيران السياسة الأميركية الرعناء والخرقاء على مدى عقود من الزمن، وأما تصوير “إسرائيل” كحمامة سلام وشريك اقتصادي وأمني فلن يحقق أي نتيجة، وما على المعنيين سوى قراءة ردات الفعل الشعبية على السياسة الأميركية عموماً.
التالي