الملحق الثقافي- لينا ديوب:
شاءت الصدفة أن يأتي موت الدكتور محمد العمادي وزير الاقتصاد السابق في فترة صعبة من حياة سورية الاقتصادية، كتلك الفترة التي قدّم فيها العمادي -رحمه الله -اقتراحات خطط ومشاريع وسياسات، تسير بالاقتصاد السوري إلى بر الأمان. فور انتشار خبر وفاته بدأ الصحفيون والأصدقاء ينشرون ما قدّمه من أبحاث، والمناصب العلمية التي شغلها في الجامعات التي عمل بها، وما تركت مساهماته من أثر لتحسن الاقتصاد السوري، هذا يعني أن الفعل الثقافي وهو هنا علمي، هو الابن الشرعي للفعل الاجتماعي، وهذان الفعلان اقترنا في شخصية العمادي.
لو استعرضنا هنا العديد من الشخصيات المؤثرة في الحياة السورية، سواء العلمية أو الثقافية أو الصناعية لوجدنا اقتران الفعل الثقافي بالفعل الاجتماعي، مما يعني أن الحياة الثقافية عندما تكرس هكذا شخصيات يصبح المجتمع قادراً على إنتاج الدّلالات الفكرية، وتكوين القيم الأخلاقيّة وإنشاء الروابط الوجودية بين العناصر، ومناهج التفسير الحياتي التي تنبع من ذات المجتمع.
وهكذا يكون البناء الثقافي للمجتمع يرتكز على سلطة المعرفة، وربطها مع العلاقات الاجتماعية وتحوّلاتها التاريخية، خاصة أننا في بيئة إنسانية تزداد تعقيداً على الصعيد المعنوي، وتزداد تشابكاً على الصعيد المادي، لدرجة الفوضى واختلال المعايير أحياناً، وعلى الصعيد الوطني نعيش آثار الحرب التي تركت الكثير من الفجوات التي علينا العمل الكثيف لردمها.
عندما نتحدث عن إعادة البناء الثقافي، لا بدّ لنا من التمسك بالأنماط الثقافية التي تصبح حياة اجتماعية ومعايير سلوكية، هذه الأنماط تصير ظواهر واقعية تمنح الفعل الاجتماعي القدرةَ على بناء الشعور والإدراك، وتكوين الوعي بهما، مِن أجل تحليل الاتجاه العام للعلاقات الاجتماعية، والبنى الوظيفية للمجتمع، ربما يكون أحد تلك الأنماط الشخصيات الفاعلة التي استثمرت علمها وثقافتها لنهضة الحياة الثقافية والاجتماعية.
عملية تحوّل الأنماط الثقافية إلى ظواهر ثقافية تمثل فعلاً اجتماعيّاً مركباً، يصبح نسقاً وجودياً مترابطاً ضمن صيرورة التاريخ، الذي يصير وحدةً معرفية متكاملة، من شأنها تفعيل الحراك الاجتماعي الإيجابي، وضبط التغيّرات في المصالح الشخصية والمنفعة الجماعية العامّة، ومنع التعارض بينهما، للحفاظ على الترابط بين الفرد والمجتمع، عندها يصبح الفعل الاجتماعي نسق وجودي.
لا بدّ من الاحتفاء بالشخصيات الفاعلة، أي الاحتفاء بنتاجهم الثقافي والعلمي، كنظام ثقافي لتثبيت هويتهما الثقافية والشخصية اللتين تشكّلهما العلاقات الاجتماعية، وهذا الاهتمام في حقيقته تفاعل الثقافة والفرد والمجتمع، لأن التفاعل الثقافي لا يصبح تفاعلاً اجتماعيّاً إلا باندماج رمزية الثقافة مع أحلام الفرد، التي هي جزء من طموحات المجتمع. وهكذا تتشكل فلسفة اجتماعية قائمة على أساس الوعي بوظيفة الفرد في تكوين سلطة المجتمع، ودور المجتمع في تشكيل شخصية الفرد.
كلّ ذلك قائم على القيم المعرفية للحوار داخل المجتمع والمعايير الأخلاقية للحرية الشخصية، وأساسيات المنفعة العامَّة. وهذه المكونات هي التي تشكّل النسيج الاجتماعي الفردي والجماعي، وتوظفها في تفاصيل الحياة لاستعادة القيم الإبداعية المنسية في المجتمع.
ككل المجتمعات، مجتمعنا يشتمل على عناصر نهضته في داخله، ولكن ينبغي علينا التنقيب عنها، واحيائها مِن جديد، للاستفادة مِن إمكانياتها وأبعادها وطاقتها الخلاقة، كما أن كلّ فرد هو مورد مليء بعناصر ولكن ينبغي استخراجها ورفد المجتمع بها لتحويل الأنماط الثقافية إلى علاقات اجتماعية بين الحقوق والواجبات، أي اقتران الفعل الثقافي بالفعل الاجتماعي.
العدد 1103- 19-7-2022