الولايات المتحدة التي رفعت قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018 كجريمة إنسانية تستوجب المحاسبة وأعلنت أنها ستجعل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يدفع الثمن باعتباره من أمر بقتل الصحفي المذكور، باعت القضية بثمن برميل نفط.
على مدى أربع سنوات أعلنت واشنطن ولي العهد السعودي مسؤولاً عن مقتل خاشقجي ونعتت السعودية بـ “الدولة المنبوذة” حسب وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أن جاء قراره بزيارة السعودية على خلفية الحرب الروسية- الغربية في أوكرانيا بحثاً عن مصادر بديلة للنفط والغاز الروسي بعدما فرضت واشنطن ومعها دول الناتو العقوبات ضد موسكو وارتفاع أسعار الطاقة بشكل جنوني ما يهدد الاقتصادات الغربية.
في المؤتمر الصحفي الذي عقب اجتماع بايدن مع بن سلمان في جدة قال الرئيس الأمريكي: “فيما يتعلق بمقتل خاشقجي، أثرت هذه القضية بقدر كبير من الاهتمام، وأوضحت كل ما فكرت فيه بشأنها منذ حدوثها وما أفكر فيه الآن فيما يتعلق بها”، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً فقد باع بايدن القضية في بازار النفط والغاز.
فالرئيس الذي قال:”لا يمكن الصمت على قضية من قضايا حقوق الإنسان” في الأساس لا ينظر إلى قضية مقتل الخاشقجي إلا كمادة للاستثمار السياسي والابتزاز الاقتصادي، كما هو حال جميع قضايا حقوق الإنسان التي تثيرها واشنطن ضد خصومها وحلفائها معاً.
الدليل هو تكذيب بايدن ومن ثم تصحيح البيت الأبيض لتصريحاته.. فبعد أن قام بايدن بتكذيب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قال: إن بايدن لم يوجه اتهاماً مباشراً لمحمد بن سلمان بمقتل خاشقجي في المحادثات، صحح البيت الأبيض تصريح يايدن ليصبح: إنه قال لـ بن سلمان “كنت أظنك مسؤولاً”، عبارة تفضح تراجع الإدارة الأمريكية كرمى عيون النفط السعودي.
التناقض في المواقف الأمريكية ظهر في ردة فعل واشنطن تجاه قضية قتل قوات الاحتلال الإسرائيلي للصحفية شيرين أبو عاقلة قبل شهرين ونيف، فالبيت الأبيض حاول التغطية على الجريمة عبر التحقيق غير المهني الذي أجراه فريق أمريكي والذي خلص إلى أنه لا يمكن الجزم بمن قتلها بالرغم من أن الرصاصة جاءت من منطقة وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي.
لكن بالعودة إلى الوضع الأخلاقي وقضايا حقوق الإنسان، هل يحق لواشنطن أن تحاكم وتصدر أحكاماً أخلاقية ضد الآخرين فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان؟ وهل تمتلك واشنطن حق أن تحاضر بالأخلاق وحقوق الإنسان؟
لاشك في أن سجل واشنطن في مجال القتل خارج القانون وانتهاك حقوق الإنسان ضد الشعوب الأخرى أكبر من أن تغطيه محاولات الإدارة الأمريكية تنصيب نفسها وصيّاً على حقوق الإنسان في العالم، تصدر سنوياً التقارير التي تصنّف هذه الدولة أو تلك بأنها تنتهك حقوق الإنسان.
ملايين الأشخاص قتلوا برصاص وصواريخ الجيش الأمريكي على مدى العقود الماضية ولا تزال واشنطن ترتكب المجازر ضد شعوب العالم ولاسيما في سورية والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان تحت يافطة نشر الحريات والديمقراطية ومحاربة الديكتاتوريات في حين تمارس الإدارة الأمريكية أبشع أنواع الديكتاتورية ضد دول وشعوب العالم.
هذه هي واشنطن، لا قيمة للأخلاق وحقوق الإنسان أمام مصالحها السياسية والاقتصادية، تبيعها في بازار السياسة عندما يحين الأمر، وقضية مقتل خاشقجي لا يمكن أن يكون سعرها أكبر من فتح أجواء السعودية أمام الطيران المدني الإسرائيلي أو رفعها إنتاجها اليومي من النفط لدعم سوق النفط في واشنطن وأوروبا.
قالها بايدن بصراحة في وصف زيارته للسعودية “أفعل كل ما بوسعي لزيادة إمدادات النفط لأمريكا” وهي عبارة تختصر المشهد.