إيهاب زكي- كاتب فلسطيني:
الكثير من المتناقضات حملها البيان الختامي لقمة طهران الثلاثية الأخيرة، مع التصريحات والسلوكيات التركية، حيث أنّ التواجد التركي في الشمال السوري يتناقض مع البيان الختامي، الذي نصّ على وحدة الأراضي السورية، كما أنّ الاحتضان التركي للمجموعات الإرهابية، يتعارض مع النص بوجوب محاربة الإرهاب، وآخرها تصريحات مستشار أردوغان بعد قمة طهران، عن أحقية تركيا بالمشاركة في تقرير مصير الشعب السوري أكثر من الرئيس الأسد.
وهذا جزء من البؤس الأردوغاني، الذي يحاول من خلاله التعلق بالحبال الانتخابية حتى النهاية، فأردوغان لن يفرط في الساحة السورية في ذروة التنافس الانتخابي، وعليه فإنّه سيظل عاكفاً على عِجلِه، ولن يتوقف عن التلويح بالعمليات العسكرية والتوتير الأمني.
رغم السنوات العجاف للسياسة التركية تجاه دول الخليج مثلاً ومصر، لم يتردد أردوغان في إعادة العلاقات مع تلك الدول، كما أنّه لم يتردد في إشهار علاقاته المخفية رغم القطيعة الظاهرة مع الكيان المؤقت، وهذا بالطبع ليس بعيداً عن الرغبات الأمريكية، بمحاولة إعادة التدوير لحلف المنهزمين، لكنه في الوقت نفسه رغم كل هذا الانفتاح الذي يوحي بتغيير السياسات، يبدي التعنت الشديد في الملف السوري، ولا يزداد إلّا غروراً.
وهذا يرجع بالدرجة الأولى للرغبات الأمريكية، كما أنّه يعود لأكوام الأوهام التي راكمها أردوغان في عقول مريديه، عن الخليفة المنتظر، صاحب المبادئ العليا والخُلقية السامية والقول الفصل، فالعودة إلى سورية لا تفسير لها سوى الهزيمة المطلقة والتخلي النهائي عن تلك المراكمات.
وهذا بعيداً عن كونه خطراً على مصير أردوغان الانتخابي، فإنّه خطرٌ على نرجسيته وعقده النفسية، التي عاشها ردحاً من الزمن، وهو من المصدقين بأنّه مبعوث العناية الإلهية، لإعادة مجد العثمانيين، رغم أنّ أيّ متابع يمتلك قليلاً من البصر، يدرك من الوهلة الأولى، أنّ أردوغان ليس سوى مثالاً حياً عن الانتهازية الدينية والوصولية السياسية والرثاثة الأخلاقية.
حاولت وسائل الإعلام التركية التابعة لأردوغان، تصوير قمة طهران باعتبارها انتصاراً له، وهي في هذا السياق لم تأت على تصريحات أيّ من الرئيسين الروسي والإيراني في الشأن السوري، واقتصرت التغطية على تصريحات أردوغان، وهذا مفهوم لأهدافٍ انتخابية ودعائية، ولكن الوجه الآخر لهذا السلوك هو استخفافٌ بكل الجماهير التي تتبع أردوغان، لأنّ الوقائع على الأرض تتعارض تماماً مع”البروباغندا” التي يحاول أردوغان تسويقها.
لن نعيد المكرر، بأنّ العملية العسكرية التركية، التي يهدد أردوغان بتنفيذها في الشمال السوري، ما هي إلّا ورقة انتخابية محلياً، ودعائية شعبوية إقليمياً، وابتزازية سياسياً، أمّا عملياً فتنفيذها لا يخدم تلك الأجندة، حيث النتائج قد تكون كارثية على أردوغان وطموحاته الرئاسية، وقد تكون خطراً على تركيا ذاتها ووحدتها، لذلك سيظل أردوغان صاحب سياسة الفم الكبير ونتائج الصفر الأكبر.