وسط تطورات الحرب الأوكرانية، وما أفرزته من تداعيات على المسرح الدولي، والتي جاءت خلافاً لتوقعات الإدارة الأميركية، وجدت واشنطن نفسها مجبرة على طرق باب الحوار مع روسيا مجدداً، ربما للخروج من عنق الزجاجة على خلفية فشل المخططات الأميركية المراد تحقيقها من وراء جعل أوكرانيا منصة عدوان غربي ضد روسيا، لاستهداف أمنها القومي، واستنزافها وإضعافها وشل اقتصادها.
من باب “ملف تبادل السجناء”، فتحت واشنطن باباً للحوار مع روسيا، تمثل بالاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية الروسية سيرغي لافروف والأميركي انتوني بلينكن، بناء على طلب أميركي، ليتضح أن الولايات المتحدة باتت أكثر حاجة للحوار مع روسيا لتدارك عجزها وفشلها في احتواء النفوذ الروسي عبر الحرب بالوكالة التي تشنها مع ذراعها الناتو في أوكرانيا، إذ لم تستطع أسلحة الغرب الموردة إلى نظام كييف من تغيير ميزان المعركة على الأرض، ولم تستطع العقوبات لي ذراع روسيا، وإنما العكس تماماً، وكذلك عجزت أميركا وأتباعها الغربيين من عزل روسيا على الساحة الدولية، حيث اتضح أن الولايات المتحدة ومعسكرها الغربي هم من أضحوا معزولين عن بقية العالم الرافض لسياساتهم المدمرة للعلاقات الدولية.
تطورات الحرب في أوكرانيا، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار الدولي، أثبتت أن سياسة التحالفات التي تشبكها الولايات المتحدة ضد من تعتبرهم “أعداءها” الاستراتيجيين، قد فشلت، ولم تحقق النتائج المرجوة، سواء ضد روسيا، أو ضد الصين، أو ضد محور المقاومة في المنطقة، إذ باتت التحالفات الإستراتيجية المضادة ضد قوى الهيمنة الغربية تمثل ثقلاً نوعياً على مختلف الصعد العسكرية والسياسية والاقتصادية، وبات يستحيل على الولايات المتحدة الوقوف أمام نظام التعددية القطبية الذي يشهد العالم ولادته اليوم، ومن هنا فإن إعادة الحوار مع روسيا ترى فيه واشنطن مدخلاً ضرورياً لإعادة ضبط سياساتها المتهورة بما يجنبها الانزلاق أكثر نحو فقدان دورها ومكانتها المؤثرة على الساحة الدولية.
الولايات المتحدة تبدو أكثر مرونة من الجانب الأوروبي لجهة الحوار مع روسيا، فهي بحاجة لمن ينزلها عن شجرة السقوف العالية، بعد تورطها بإشعال النزاعات والحروب من دون تحقيق أي من أهدافها السياسية، وفي ظل ردود التحذير الصينية عالية السقف على خلفية الزيارة المرتقبة لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، ترغب الولايات المتحدة من الجانب الروسي المساعدة في تهدئة المارد الصيني حفاظاً على ماء الوجه الأميركي، وتحتاج من روسيا أيضاً المساعدة في إطفاء الحرائق التي أشعلتها على أكثر من ساحة دولية، حيث الأزمات والانقسامات الحاصلة في الداخل الأميركي باتت تهدد بمستقبل الإدارة الأميركية الحالية، ويبدو أن “ملف تبادل السجناء” بين الجانبين الأميركي والروسي، قد يشكل مدخلاً لمناقشة الكثير من القضايا والملفات الدولية الساخنة، والتي ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لاحقاً لتقديم تنازلات كبيرة حفاظاً على هيبتها، فهي باتت تعي جيداً أن العالم يتغير عكس الاتجاه الذي تريده وتسعى إليه.