الثورة – ترجمة رشا غانم:
نفس السيناريو، ولكن بعواقب مختلفة، إنّه من غير المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية إلى أزمة مالية أخرى في جنوب شرق آسيا وفي مواجهة التضخم المتصاعد، لم يكن أمام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خيار سوى رفع سعر الفائدة القياسي للتحكم في أسعار السلع الأساسية. حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة بنسبة 1.3 في المائة في تموز، أو بشكل إجمالي 9.1 في المائة على مدار الـ 12 شهراً الماضية ليصل إلى أعلى مستوى في 40 عاماً.
ولتحقيق ما يسمى تباطؤ معتدل للاقتصاد الوطني، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي في 28 تموز، سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساسية، مدّعياً أن “زيادة كبيرة أخرى غير معتادة قد تكون مناسبة” في أيلول.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، رفع البنك أسعار الفائدة عدة مرات. وبعد ارتفاع بنسبة 0.25 في المائة في آذار، بلغ سعر الفائدة النطاق المستهدف لـ 1-0.751 في المائة في أيار.
في 15 حزيران، أكدت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أنها “ملتزمة بشدة بإعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة”. ولتحقيق هذا الهدف، قررت الاستمرار في رفع أسعار الفائدة وتقليل حيازتها من سندات الخزينة وديون الوكالات والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري للوكالة.
هذا ويعتبر موقف بنك الاحتياطي الفيدرالي المتشدد إشارة محفوفة بالمخاطر للآخرين.
ومن جهته، قال وزير الخزانة الأمريكي السابق جون كونالي ذات مرة: “الدولار الأمريكي عملتنا ولكنها مشكلتكم”. عندما تلعب إحدى العملات السيادية دوراً مهيمناً في تشحيم الاقتصاد العالمي- حيث تمثل حوالي 90 في المائة من جميع معاملات الصرف الأجنبي قبل الوباء- فإن تشديد المورد سيكون له آثار عميقة على تدفقات رؤوس المال العالمية.
وعلى وجه التحديد، عندما تصبح قيمة الدولار الأمريكي أقوى مما كانت عليه على مدار العقود الماضية، فإنه يؤدي حتماً إلى خفض قيمة العملات في جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه، ونظراً لأن أسعار الفائدة الآن أعلى بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة عنها في أي مكان آخر، فإن المستثمرين متحمسون للاحتفاظ باستثمارات متحفظة نسبياً مثل سندات الخزانة لتحقيق عوائد أعلى.
والأهم من ذلك، فإنّ المخاطر الناشئة عن أسعار الفائدة المرتفعة لا يتم تقاسمها بالتساوي.
شهدت العقود الماضية العديد من دورات الازدهار والكساد في الأسواق الناشئة، حيث انتقل المستثمرون العالميون إلى هذه الاقتصادات في الأوقات الجيدة، لكنهم سيتراجعون فجأة عندما تكشف البلدان المتلقية عن تدهور الاقتصاد الكلي أو عندما تشدد الولايات المتحدة المعروض من رأس المال.
بعبارة أخرى، غالباً ما تواجه الأسواق الناشئة مخاطر وتكون معرضة للقصور أكثر من الثروة والازدهار عند التعامل مع التمويل العالمي.
وهذا هو السبب في أن المحللين يواصلون تتبع تأثير أسعار الفائدة التي تم رفعها مؤخراً على دول جنوب شرق آسيا، نظراً لأنه لا يزال لديهم ارتباط فضفاض بالدولار الأمريكي، حيث أنّ التحدي الأساسي هو أن ارتفاع معدل الفائدة يجعل المدفوعات لخدمة الدين الحالي أكثر تكلفة، مما قد يؤدي إلى تدفق استثمارات رأس المال إلى الخارج.
تاريخياً، شهدت دول جنوب شرق آسيا حلقة مماثلة منذ 25 عاماً. فمع تعافي الاقتصاد الأمريكي من الركود في أوائل التسعينيات، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة القياسية لتفادي التضخم. ونتيجة لذلك، هيّأ الدولار القوي الولايات المتحدة لتكون وجهة استثمارية أكثر جاذبية من جنوب شرق آسيا، مما ساهم في تدفقات رأس المال الخارجة المفاجئة.
مع عدم إنكار نقاط الضعف الداخلية في هذه الاقتصادات، مثل العجز الضخم في الحساب الجاري، عدم كفاية الاحتياطيات الأجنبية، والتعرض المفرط لمخاطر الصرف الأجنبي، فإن رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة هو بالفعل حافز لا غنى عنه. ومن ثم، في تموز 1997، عندما عانى البات التايلندي من انخفاض حاد في قيمة العملة، سرعان ما تردد صدى موجة الصدمة في جميع أنحاء المنطقة، حيث انخفضت قيمة العملة الماليزية بشكل كبير، وانخفض مؤشر بورصة كوالالمبور من 1200 إلى 260 نقطة، ودفعت دول جنوب شرق آسيا أسعاراً باهظة للتعافي من الاضطرابات.
مع ذلك، وعلى الرغم من أنه من الضروري توخي الحذر من الآثار المحتملة- فمن غير المرجح أن تكون هناك أزمة مالية كاملة أخرى في المنطقة. بينما من المرجح أن يستمر الضغط على أسعار الصرف وعوائد السندات خلال الأشهر المقبلة، حيث تشير بعض الأدلة القوية إلى أن العديد من الاقتصادات مستعدة بشكل أفضل.
في بدء الأمر، لقد تراكمت لديهم احتياطيات كافية للتحوط من المخاطر المنسوبة إلى الديون الخارجية. وبحسب البنك الدولي، بلغت الاحتياطيات الدولية لإجمالي أرصدة الديون الخارجية في تايلاند 126.4٪ في عام 2020، مقابل 24.5٪ في عام 1997، وبالمثل، بلغ إجمالي الاحتياطيات 111.7٪ من إجمالي الدين الخارجي للفلبين عام 2020، بالمقابل.
إلى 17.2 في المائة في عام 1997.ومن ثم- وعلى الرغم من أن سريلانكا أعلنت مؤخراً إفلاسها الوطني بسبب عدم قدرتها على سداد ديونها الخارجية، فمن المرجح أن تكون شاذة.
لقد تعلمت العديد من البلدان في هذه المنطقة من تجارب الماضي المؤلمة لبناء المرونة لدعم عملتها واقتصادها الوطني.
بالإضافة إلى ذلك، عزز العديد من بلدان المنطقة حساباتها الجارية وأرصدة المالية العامة، حيث بلغ الحساب الجاري للناتج المحلي الإجمالي في إندونيسيا وماليزيا 0.28 في المائة و 3.46 في المائة في عام 2021-على التوالي- على العكس بالمقارنة بعام 1997، فقد بلغت النسبة 2.26 في المائة و 5.93 في المائة، وفي الوقت نفسه، يمكن لموجة التضخم العالمية أن تفيد البلدان التي تصدر الغذاء والسلع.
وبشكل عام، على الرغم من خلفية ارتفاع أسعار الفائدة، فإن جنوب شرق آسيا في وضع قوي نسبياً. وقد يجبر الاقتصاد المحلي المحموم الاحتياطي الفيدرالي على مواصلة تشديد المعروض النقدي، مما يؤدي إلى توترات ومخاطر للأسواق الناشئة، ومع ذلك، لا ينبغي أن نبالغ في تقدير الآثار هذه المرة.
المصدر: تشاينا ديلي