قيل قديماً إن المستحيلات ثلاثة هي الغول والعنقاء والخل الوفي، وإن كان من نقض لهذه المقولة فهو بيزنطية المستحيل الثالث لكونه يحمل النقيضين، فالخل الوفي مستحيل الوجود بمفهومه الواسع العام، ولكن تنهض إمكانية تحقيقه إن أُخذ بمفهوم العمل الصالح.
المشكلة أن التشبيك قائم بين إمكانية التحقيق والاستحالة في مستحيل الخل الوفي، فهو ممكن إن عُمِل به، في حين يبدو جليا أن أحدا لا يعمل ولا يرغب بالعمل به، فكل ما حولنا ينضح بالتقصير والدوران في الحلقة ذاتها..
وبإسقاط واقعي على العمل الصالح، فهو العمل لصالح المجموع ولأجله، ولكن هذا العمل رغم كونه عماد البناء بعد تجاوز الأزمة، إلا أنه لا يزال مفهوماً طوباوياً، وطوباويته هي ما يبقي القطاعات في إطار انتظار الحلول من خارج الصندوق، في حين يمكن للعمل الصالح تغيير الواقع، فالصناعة على ركبتيها والزراعة باتت ذكرى حتى في معاقلها التقليدية، والكهرباء حديثها مخجل في الفشل وسواها الكثير الكثير من الأمور..
ما الذي يحدث.. ولماذا يحدث هذا الذي يحدث.. هل يعقل أن لا تقدر بعض مؤسساتنا على التناغم مع ظروف الأزمة وإيجاد الحل لعقابيلها، والنهوض بالواقع بعد نحو اثنتي عشرة سنة؟.
لا بد من البداية الصحيحة للوصول إلى نتائج صحيحة، فإعادة ذات التجربة بذات المعطيات ضمن ذات الظروف والتفاجؤ بذات النتيجة اختراع يستحق الوقوف عنده، فالإنسان هو البداية الصحيحة، وهو العقل كما هو الساعد، فكيف لمن يعاني البرد والحر والفقر أن يبدع أو حتى يقدم منتجاً مهنياً (أيا كان عمله) ذو قيمة في الوقت الذي يشغله عن عمله كل ما خلقه الله في هذه الحياة، ناهيك عن إنهاكه بكل ما هو ثانوي وهامشي على حساب الأساس..
لم يفت الأوان بعد، وفي ذلك مصلحة للجميع.. حتى لمن لا يجد مصلحته إلا فوق مصالح الآخرين، الذين تشكل مصالحهم بدورها الصالح العام.. لنعود إلى نقطة البداية: الخل الوفي لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل الصالح.