بعد أن تركت أوروبا أبواب اقتصادها الذي تسنده موارد الطاقة الروسية وأشرعتها لرياح السطوة الأميركية، وغامرت بالإبحار بلا مجاديف بدائل متاحة عكس تيارات احتياجات صناعتها ومواطنيها، وصفقت بلا رشد للعقوبات على روسيا طاعة للمشيئة الأميركية، باتت تتجرع اليوم كؤوس ارتداد العقوبات المسمومة التي أرادت واشنطن لموسكو أن تحتسيها، فباتت تترنح هي وأتباعها الغربيون على وقع الخضات السياسية والهزات الاقتصادية.
فالمشهد الأوروبي اليوم يزداد قتامة أكثر من أي وقت مضى، وتداعيات الحرب الأوكرانية تنال من إمكانيات ثبات كبرى الاقتصادات الأوروبية، وكابوس عوز النفط والغاز يؤرق حكام الغرب ومواطنيه، فالشتاء اقترب والحاجة ملحة لإمدادات الطاقة الروسية.
تتخبط إدارة بايدن الآن في دوائر النار التي أشعلتها وتكابر غطرسة، وبدلاً من إعادة العربة الأميركية إلى سكة الصواب القانوني والدبلوماسي والتخلي عن العنجهية الجنونية، تسعر نار التصعيد الاستفزازي ضد الصين وروسيا وتصب البارود على جبهات الاقتتال لقطع طرق التفاهمات ومنع احتواء الأزمات، وما إيعازها لنظام كييف باستهداف محطة زابورجيه النووية إلا تأكيد أنها تريد لأوروبا الانزلاق أكثر إلى الهاوية الخطيرة.
اذاً هذه هي أميركا وإن خاتلت بادعاءات حفظ السلم العالمي، تتلذذ بالحرائق وتفخيخ الرقعة الدولية بألغام الحروب والتعديات، وكما تضع أوروبا على صفيح من اضطرابات وتعبث بصمام استقرار دولها، فإن استطالات عدوانيتها تمتد للصين لتهديد أمنها بتوتير الشرق الآسيوي، وما جاء في “الاسوشيتد برس” حول مخططات للاستخبارات الأميركية لتجنيد عملائها في أفغانستان للتجسس على بكين ” وكشفها لبرامج تدريب مكثفة لضباط “السي آي اي” على ذلك، يؤكد أن ألاعيب الشرور الأميركية ضد السلم الدولي مستمرة.
قلنا سابقاً إن أميركا لن تجنح لسبل السلام وإخماد الحروب بل لإذكاء الفتنة، ولن ترأب التصدعات في جسور العلاقات الدولية بل تعمقها، ولن تبرد الملفات الدولية الساخنة بل تنفخ في جمرها، فأما آن لكيل المجتمع الدولي أن يطفح بعربدتها، ويكف أيديها العابثة باستقرار الدول وأمن الشعوب؟!.