في اللحظة التي اطلعت بها على مفهوم الليونة العصبية، والتي تعني أن للدماغ وصلات لديها القدرة على إعادة التشكّل حسب الاستعمال والإهمال، تساءلت عن تلك الوصلات التي يمكن أن تختص بنوع آخر من الليونة..فهل تنشأ الليونة العاطفية بالآلية ذاتها، وفقاً للاستعمال أو عدمه..؟ وهل لمشاعرنا الليونة نفسها سواء تواصلنا افتراضياً أم واقعياً..؟ ما مقدار تأثير التواصل “عن بعد” بجعل مشاعرنا سطحية..؟ لعلها لا تكون سطحية بنسبة عالية، لكن حتماً تصبح خالية من “العمق” الإنساني ببعده الواقعي الملموس.. لأنها تفقد جزءاً مهماً من حميميتها، فلا تواصل “بصري”، ولا تأثّر بنبرة الصوت، ولا رؤية لملامح وجه الآخر، أو لغة جسده.
في كتابه (سطحيون) تحدث “نيكولاس كار” عن الليونة العصبية والتي تتعلق بالقدرة على إعادة تشكيل شبكات الدماغ استجابةً للتجارب والتفاعلات الجديدة ما يساهم بخلق أنماط جديدة من التفكير والتركيز.. وهذه التغيرات بحسب “كار” لربما أدت إلى ضعف القدرة على التركيز والتأمل العميق.
في هذا السياق يمكن أن نلاحظ تشابهاً لِما يمكن أن يحدث لمشاعرنا عبر التواصل “عن بعد”..فبدلاً من أن تكون مشاعرنا عميقة وأصيلة، لعلها تصبح أكثر تبدلاً وقابلية للتغيير السريع.. وبالتالي تدنو أكثر من كونها (سطحية)، وهو ما لا يعترض مع أنها ذات ليونة جيدة.. ما حيّرها.. أنه مع تطور الهيئة الخارجية (لمشاعرنا) لكنها بقيت ضمن إطار بيئة “رقمية”.. فهي أكثر ليونة في الاستجابة لمواقف معينة، إلا أنها بالمقابل فقدت بعض العمق بالوصول إلى الشعور الحقيقي والى جوهر (الاتصال/التواصل) الآدمي.. فهل تتطور مشاعرنا أم تتراجع..؟وهل نملك مشاعر أكثر ليونة.. أم أكثر هشاشة..؟