عندما يتوقف التجار عن بيع سلعة ما جراء المتغيرات المتسارعة تتحرك الجهات المعنية لقمع التجار بتهمة الاحتكار، ولا أحد يعترض على هذا التوصيف، بل يذهب البعض لوصفهم بالجشعين، وهو توصيف مُتفق عليه من الجميع، وبالمنطق التجاري ما ينطبق على التجار ينطبق على القطاع العام بصفته مقدماً للخدمات ومنتجاً للسلع.
قبل فترة توقفت مستودعات الكتب المدرسية كافة عن بيع الكتب لتخرج بعد أيام بأسعار جديدة بما يشير إلى اعتبار الكتب المدرسية سلعة تجارية وعلى مُحتاجيها شراؤها بالسعر الجديد.
الأسعار الجديدة للكتب وصلت إلى خمسين ألف ليرة لكل نسخة من منهاج الثانوية العامة، هذا الأمر له أبعاد كثيرة وآثار سلبية على الطلبة وذويهم، فالأسرة التي لديها طالبان عليها أن تدفع مئة ألف ليرة ثمن كتب وضعفي المبلغ دفاتر وقرطاسية وثلاثة أضعاف للباس ومبلغاً يصعب تقديره لوسائل النقل، وأرقاماً أخرى يصعب تصورها للدروس الخصوصية بمقابل راتب موظف لا يكفي لأكثر من نسختي كتب فأي تربية, وأي تعليم ننشد؟
عملية تغيير المناهج المستمرة وبفترات متقاربة والتعديلات المتتالية حولت الكتب المدرسية إلى تجارة ينتفع منها شريحة كبيرة من القائمين على هذا الأمر ولا أعتقد أن الناس نسيت الأرقام التي تم الإعلان عنها في عمليات فساد في التربية، والسؤال الذي يردده الجميع: لماذا تتم كل هذه التغييرات على الكتب والمناهج؟ وهل تغيير بعض الصفحات أو تصحيح بعض الأخطاء يستدعي تغيير كتاب بكامله؟ ثم هل عجزت الجهات المعنية عن دعم هذا الأمر بشكل كامل ولاسيما أن كل ما يحتاجه لا يعادل أكثر من دعم المشتقات النفطية ليوم واحد؟
القطاع التربوي الذي يُعتبر أساساً لبناء المجتمع تحول إلى قطاع تجاري بامتياز، بدءاً من الكتاب المدرسي مروراً بالمدارس الخاصة وصولاً إلى الدروس الخصوصية وليس انتهاء بالكاميرات وغيرها من التجهيزات بغياب المكتبات المدرسية ومخابرها إلا من الأشخاص القائمين على تسميات في ابتكار يستحق التسجيل ببراءات الاختراع.
طبعاً الأمر لا يتعلق بفترة إدارة معينة وإنما سياسة متبعة منذ سنوات طويلة وهذا يُعقد المهمة على أي قادم على أي مفصل إداري في هذه الوزارة من قمة الهرم الى أدنى مرتبة وظيفية.