ليس لائقا أن نطلق العنان لتداول مصطلح “القرى العطشى” الآخذ بالرسوخ تدريجيا تحت ضغط الأمر الواقع، و لا يعني ذلك أن نمنع تداوله بإجراءات جزائية، وإنما أن نسعى لحل أفضل وأنجع من مجرد الإعلان عن لائحة ذرائع متجددة تصدر عن الجهات المعنية بإنقاذ الموقف الصعب لمئات القرى الواقعة فيما نسميه جغرافيا.. الإقليم الجبلي أو المناطق الجبلية.
فهناك بالتأكيد ما يتعدى التفكير بطريقة استدراكية لمشكلة انقطاع الكهرباء وعدم توفر إمكانات ضخ المياه إلى “القرى العطشى” بالوسائل التقليدية..نحن على يقين بأن ثمة وسائل أخرى تقوم على التشاركية بين المجتمع الأهلي والحكومة بدلا من الجدل البيزنطي القائم حاليا.
ولنسأل أولا..كيف كان حال هذه القرى – خصوصا في الجبال الساحلية وامتداداتها الشرقية – قبل أن تحتفل مؤسسات المياه في طرطوس واللاذقية وحماة وحمص بالانتهاء من “إنجاز ” شبكات مياه الشرب “وبخبرات محلية” كما عودنا المعنيون فيها أن يعلنوا وهم يزفون أخبار إنجازاتهم لوسائل الإعلام..؟
قبل مد شبكات المياه كان الأهالي يعتمدون على مصدرين للمياه..الأول الينابيع المنتشرة بكثرة، و الثاني تجميع مياه الأمطار شتاء أي ادخارها لفصل الصيف، وهذان المصدران كانا كافيين في مناطق توصف بأنها مناطق استقرار مطري أولى..فماذا حصل ليعلو الصراخ عطشا خلال السنوات الأخيرة؟
صحيح أن معدلات الهاطل المطري تراجعت قليلا، لكن الأهم كسبب مباشر هو تلوث ينابيع مياه الشرب بوسائل الصرف الصحي التقليدية نظرا لعدم وجود مشاريع صرف نموذجية، والسبب الثاني هو إقلاع الأهالي عن خيار تجميع مياه الشتاء في الخزانات المنزلية واسترخوا بما أن شبكات المياه الحكومية قد “أنجزت” لكنها أوقعتهم في غواية الاسترخاء..
الآن لايبدو في الأفق حلول مستدامة سوى بالعودة إلى إحياء الوسائل القديمة..فحتى لو استطاعت مؤسسات المياه تأمين الكهرباء والوقود للضخ، لن ترتوي القرى العطشى، ونعلم جميعا أن القلة والعطش الجزئي كان حتى في سنوات ماقبل الأزمة عندما لم يكن هناك مشكلة نقص في حوامل الطاقة لزوم عمليات الضخ.
معالجة مشكلات الصرف الصحي أهم بكثير من الانشغال بتأمين وقود الضخ، لأن استثمار الينابيع المتدفقة مجاني ولا يتضمن تكاليف.
الشق الثاني من الحل هو مساعدة الأهالي على حصاد مياه الأمطار الوفيرة شتاء.. والعودة إلى نشر الخزانات البيتونية المنزلية ” سعة ٢٠٠- ٥٠٠ برميل حسب الحاجة”.
نعلم أن الخيار مكلف لكنه ممكن عبر إطلاق مشروع إقراض حكومي ميسر ..قروض طويلة بفوائد مدعومة..وعلى مدى عدة سنوات سنتمكن من تخفيف قسوة المشكلة..وإتاحة الفرصة أمام سكان هذه المناطق لتأمين مياه الاستعمالات المنزلية أولا..وثانيا مياه سقاية القطعان التي تخلوا عنها بسبب شح الماء..وثالثا مياه إرواء -بالتنقيط – لحديقة منزلية بمساحة ١٠٠ أو ٢٠٠ متر لزراعة احتياجات الأسرة من الخضار الصيفية.
هذا حل ..أو لنفكر بحل آخر أفضل إن كان في وزارة الموارد المائية من لديه حل..المهم ألا تبقى القرى العطشى “عطشى”..