تتصدر تصريحات الجهات المعنية أرقام مالية كبيرة تحت مسمى فوات منفعة نتيجة تخريب المنشآت الإنتاجية من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة والحرب على سورية، ولاشك هي أرقام كبيرة جدا وهي تقديرات صحيحة ، إلا أن أحدا من هذه الجهات لم يتحدث يوما عن فوات المنفعة الناتجة عن التأخير في إبرام العقود أو التأخير في تنفيذ المشاريع، أو توقيف الجهات الرقابية لمجريات العمل لحين انتهاء التحقيقات ، فكم من عقد بقي لعدة أشهر في اللجان الحكومية بانتظار التصديق؟ .. وكم مشروع متوقف عن الإقلاع لإجراءات بسيطة ناتجة عن قصور الدراسات؟.. وكم عقد تم توقيفه وإعادة الإعلان من باب التشكيك غير المبرر ولكن بأسعار مضاعفة نتيجة تغيرات سعر الصرف وارتفاع أجور الشحن عالميا أو نتيجة الأزمات العالمية كجائحة كورونا أو الأزمة الأوكرانية مؤخرا؟
كل ما سبق ذكره لم يتم تصنيفه ضمن باب فوات المنفعة الناتج عن التقصير والتشكيك، ولكن أن تأتي اليوم جهة رقابية لتقوم بالحجز الاحتياطي على شخص بمبلغ ٣٢ مليار ليرة فوات منفعة دون أن يتم لحظ كل ما سبق ذكره، فهذا لا يمكن تصنيفه في إطار تصويب الخطأ، ولا يصح في منطق الوظيفة العامة، فالمحجوز عليه شخص وليس مؤسسة ولا يمكن تحميل شخص بمفرده هذا الأمر، فهو يمثل مؤسسة والمؤسسة لديها شركاء وعندما يتم تحميل المسؤولية يجب تحميلها لجميع الشركاء.
هذا القرار سيكون له تأثير كبير على إدارات الجهات العامة وسيقود إلى فوات منافع كبيرة من مبدأ ” لا بدي اشتغل ولا بدي اخطأ ”
لا يوجد جهة عامة إلا ويمكن تسجيل أرقام كبيرة لديها كفوات منفعة من هذا الباب ولاسيما في الأجهزة الرقابية والمختصة التي أوقفت العمل في كثير من الجهات لحين انتهاء التحقيقات.
هذا القرار سيجعل موضوع فوات المنفعة بلا أسس واضحة لتوصيفه، ولابد من معايير لهذا التوصيف أولها التأخير في التصديق على العقود وتوقيف العمل لحين انتهاء التحقيقات، ولابد أن تأخذ سلطة الفصل في الحكم على “المتهمين” بجريمة فوات المنفعة بمعايير حقيقية للفصل بهذه القضايا ، ولاشك أن سلطة الفصل المذكورة والتي هي القضاء ومجلس الدولة التي كان لها قرارات جريئة ومنصفة بمثل هكذا مواقف وهذا ما يعول عليه في هذه القضية وما يماثلها من قضايا.
الإحاطة بكامل تفاصيل أي قضية أساس الحكم الصحيح ، وسن وتشريع أي حالة جديدة خارج هذا الأمر سيكون له تداعيات كبيرة على الوظيفة العامة ومستقبل جهاتها.
طرح الموضوع ليس من مبدأ التبني أو التعاطف الشخصي وإنما من مبدأ الحرص على توصيف القضايا والحكم عليها.